باب البيع
هو لغة: مقابلة شئ بشئ. وشرعا: مقابلة مال بمال. على وجه مخصوص. والاصل فيه قبل الاجماع آيات - كقوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * - وأخبار كخبر: سئل النبي صلي الله عليه وسلم: أي الكسب أطيب ؟ فقال: عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور أي لا غش فيه ولا خيانة
(يصح) البيع (بإيجاب) من البائع - ولو هزلا - وهو ما دل على التمليك دلالة ظاهرة: (كبعتك) ذا بكذا، أو هو لك بكذا، (وملكتك)، أو وهبتك (ذا بكذا)، وكذا جعلته لك بكذا. إن نوى به البيع. (وقبول) من المشتري - ولو هزلا - وهو ما دل على التملك كذلك: (كاشتريت) هذا بكذا، (وقبلت)، أو رضيت، أو أخذت، أو تملكت (هذا بكذا). وذلك لتتم الصيغة، الدال على اشتراطها قوله صلي الله عليه وسلم: إنما البيع عن تراض، والرضا خفي، فاعتبر ما يدل عليه من اللفظ
فلا ينعقد بالمعاطاة، لكن اختير الانعقاد بكل ما يتعارف البيع بها فيه: كالخبز، واللحم، دون نحو الدواب، والاراضي. فعلى الاول: المقبوض بها كالمقبوض بالبيع الفاسد، أي في أحكام الدنيا. أما في الآخرة فلا مطالبة بها. ويجري خلافها في سائر العقود. وصورتها: أن يتفقا على ثمن ومثمن - وإن لم يوجد لفظ من واحد - ولو قال متوسط للبائع: بعت ؟ فقال: نعم، أو إي، وقال للمشتري، إشتريت ؟ فقال: نعم. صح. ويصح أيضا بنعم منهما، لجواب قول المشتري بعت، والبائع اشتريت. ولو قرن بالايجاب أو القبول حرف استقبال - كأبيعك - لم يصح. قال شيخنا: ويظهر أنه يغتفر من العامي - نحو فتح تاء المتكلم
وشرط صحة الايجاب والقبول كونهما (بلا فصل) بسكوت طويل يقع بينهما - بخلاف اليسير، (و) لا (تخلل لفظ) وإن قل - (أجنبي) عن العقد بأن لم يكن من مقتضاه ولا من مصالحه. ويشترط أيضا أن يتوافقا معنى - لا لفظا - فلو قال بعتك بألف، فزاد أو نقص - أو بألف حالة فأجل، أو عكسه، أو مؤجلة بشهر، فزاد، لم يصح، للمخالفة. (و) بلا (تعليق) - فلا يصح معه - كإن مات أبي فقد بعتك هذا، (و) لا (تأقيت) كبعتك هذا شهرا. (وشرط في عاقد) - بائعا كان أن مشتريا - (تكليف) فلا يصح عقد صبي ومجنون، وكذا من مكره بغير حق - لعدم رضاه - (وإسلام لتملك) رقيق (مسلم) لا يعتق عليه وكذا يشترط أيضا: إسلام لتملك مرتد - على المعتمد -. لكن الذي في الروضة وأصلها: صحة بيع المرتد للكافر. (و) لتملك شئ من (مصحف) - يعني ما كتب فيه قرآن، ولو آية وإن أثبت لغير الدراسة، كما قاله شيخنا. ويشترط أيضا عدم حرابة من يشتري آلة حرب، كسيف، ورمح، ونشاب، وترس، ودرع، وخيل، بخلاف غير آلة الحرب، ولو مما تتأتى منه، كالحديد، إذ لا يتعين جعله عدة حرب، ويصح بيعها للذمي، أي في دارنا، (و) شرط (في معقود) عليه، مثمنا كان أو ثمنا، (ملك له) أي للعاقد (عليه) فلا يصح بيع فضولي، ويصح بيع مال غيره ظاهرا، إن بان بعد البيع أنه له، كأن باع مال مورثه ظانا حياته فبان ميتا حينئذ لتبين أنه ملكه. ولا أثر لظن خطأ بأن صحته، لان الاعتبار في العقود بما في نفس الامر، لا بما في ظن المكلف
{ فائدة }
لو أخذ من غيره بطريق جائز ما ظن حله، وهو حرام باطنا، فإن كان ظاهر المأخوذ منه الخير لم يطالب في الآخرة، وإلا طولب. قاله البغوي. ولو اشترى طعامه في الذمة وقضى من حرام، فإن أقبضه له البائع برضاه قبل توفية الثمن حل له أكله، أو بعدها مع علمه أنه حرام حل أيضا، وإلا حرم إلى أن يبرئه أو يوفيه من حل. قاله شيخنا
(وطهره) أو إمكان طهره بغسل، فلا يصح بيع نجس - كخمر وجلد ميتة، وإن أمكن طهرها بتخلل أو دباغ - ولا متنجس لا يمكن طهره، ولو دهنا تنجس، بل يصح هبته. (ورؤيته) أي المعقود عليه إن كان معينا. فلا يصح بيع معين لم يره العاقدان أو أحدهما: كرهنه، وإجارته، للغرر المنهي عنه، وإن بالغ في وصفه. وتكفي الرؤية قبل العقد فيما لا يغلب تغيره إلى وقت العقد، وتكفي رؤية بعض المبيع إن دل على باقيه، كظاهر صبرة نحو بر، وأعلى المائع، ومثل أنموج متساوي الاجزاء كالحبوب أو لم يدل على باقيه بل كان صوانا للباقي لبقائه، كقشر رمان وبيض، وقشرة سفلى لنحو جوز، فيكفي رؤيته، لان صلاح باطنه في إبقائه، وإن لم يدل هو عليه، ولا يكفي رؤية القشرة العليا إذا انعقدت السفلى. ويشترط أيضا قدرة تسليمه، فلا يصح بيع آبق، وضال، ومغصوب، لغير قادر على انتزاعه، وكذا سمك بركة شق تحصيله
{ مهمة }
من تصرف في مال غير ببيع أو غيره ظانا تعديه فبان أن له عليه ولاية، كأن كان مال مورثه فبان موته، أو مال أجنبي فبان إذنه له، أو ظانا فقد شرط فبان مستوفيا للشروط، صح تصرفه، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر، وفي العبادات بذلك، وبما في ظن المكلف. ومن ثم لو توضأ ولم يظن أنه مطلق: بطل طهوره، وإن بان مطلقا، لان المدار فيها على ظن المكلف. وشمل قولنا ببيع أو غيره: التزويج، والابراء، وغيرهما. فلو أبرأ من حق ظانا أنه لا حق له فبان له حق، صح - على المعتمد - ولو تصرف في إنكاح، فإن كان مع الشك في ولاية نفسه فبان وليا لها حينئذ: صح - اعتبارا بما في نفس الامر
(وشرط في بيع) ربوي، وهو محصور في شيئين: (مطعوم) كالبر، والشعير، والتمر، والزبيب، والملح، والارز، والذرة، والفول، (ونقد) أي ذهب وفضة، ولو غير مضروبين - كحلي، وتبر (بجنسه) كبر ببر، وذهب بذهب (حلول) للعوضين (وتقابض قبل تفرق). ولو تقابضا البعض: صح فيه فقط، (ومماثلة) بين العوضين يقينا: بكيل في مكيل، ووزن في موزون، وذلك لقوله صلي الله عليه وسلم: لا تبيعوا الذهب بالذهب، ولا الورق بالورق، ولا البر بالبر، ولا الشعير بالشعير، ولا التمر بالتمر، ولا الملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، يدا بيد، فإذا اختلفت هذه الاصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد أي مقابضة. قال الرافعي: ومن لازمه الحلول - أي غالبا - فيبطل بيع الربوي بجنسه جزافا، أو مع ظن مماثلة، وإن خرجتا سواء
(و) شرط في بيع أحدهما (بغير جنسه) واتحدا في علة الربا - كبر بشعير، وذهب بفضة. (حلول، وتقابض) قبل تفرق - لا مماثلة - فيبطل بيع الربوي بغير جنسه إن لم يقبضا في المجلس، بل يحرم البيع في الصورتين إن اختل شرط من الشروط. واتفقوا على أنه من الكبائر، لورود اللعن لآكل الربا، وموكله، وكاتبه. وعلم بما تقرر أنه لو بيع طعام بغيره كنقد، أو ثوب، أو غير طعام بطعام: لم يشترط شئ من الثلاثة
(و) شرط (في بيع موصوف في ذمة) ويقال له السلم، مع الشروط المذكورة للبيع غير الرؤية. (قبض رأس مال) معين، أو في الذمة، في مجلس خيار وهو (قبل تفرق) من مجلس العقد، ولو كان رأس المال منفعة. وإنما يتصور تسليم المنفعة بتسليم العين، كدار وحيوان، ولمسلم إليه قبضه ورده لمسلم، ولو عن دينه. (وكون مسلم فيه دينا) في الذمة: حالا كان أو مؤجلا، لانه الذي وضع له لفظ السلم - فأسلمت إليك ألفا في هذا العين، أو هذا في هذا: ليس سلما، لانتفاء الشرط، ولا بيعا، لاختلال لفظه - ولو قال إشتريت منك ثوبا صفته كذا بهذه الدراهم، فقال بعتك. كان بيعا، عند الشيخين، نظرا للفظ. وقيل سلم - نظرا للمعنى - واختاره جمع محققون. (و) كون المسلم فيه (مقدورا) على تسليمه (في محله) بكسر الحاء: أي وقت حلوله فلا يصح السلم في منقطع عند المحل: كالرطب في الشتاء، (و) كونه (معلوم قدر) بكيل في مكيل، أو وزن في موزون، أو ذرع في مذروع، أو عد في معدود. وصح في نحو جوز ولوز، بوزن وموزون بكيل يعد فيه ضابطا، ومكيل بوزن، ولا يجوز فيه بيضة ونحوها، لانه يحتاج إلى ذكر جرمها مع وزنها، فيورث عزة الوجود. ويشترط أيضا بيان محل تسليم للمسلم فيه إن أسلم بمحل لا يصلح للتسليم، أو لحمله إليه مؤنة. ولو ظفر المسلم بالمسلم إليه بعد المحل في غير محل التسليم ولنقله إلى محل الظفر مؤنة، لم يلزمه أداء، ولا يطالبه بقيمته. ويصح السلم حالا ومؤجلا بأجل معلوم، لا مجهول ومطلقه حال، ومطلق المسلم فيه جيد
(وحرم ربا) مر بيانه قربيا، وهو أنواع: ربا فضل، بأن يزيد أحد العوضين، ومنه ربا القرض: بأن يشترط فيه ما فيه نفع للمقرض، وربا يد: بأن يفارق أحدهما مجلس العقد قبل التقابض، وربا نساء: بأن يشترط أجل في أحد العوضين، وكلها مجمع عليها، ثم العوضان أن اتفقا جنسا: اشترط ثلاثة شروط، تقدمت، أو علة: وهي الطعم والنقدية، اشترط شرطان، تقدما. قال شيخنا ابن زياد: لا يندفع إثم إعطاء الربا عند الاقتراض للضرورة، بحيث أنه إن لم يعط الربا لا يحصل له القرض. إذ له طريق إلى إعطاء الزائد بطريق النذر أو التمليك، لاسيما إذا قلنا النذر لا يحتاج إلى قبول لفظا على المعتمد. وقال شيخنا: يندفع الاثم للضرورة
{ فائدة }
: وطريق الخلاص من عقد الربا لمن يبيع ذهبا بذهب، أو فضة بفضة، أو برا ببر، أو أرزا بأرز متفاضلا، بأن يهب كل من البائعين حقه للآخر، أو يقرض كل صاحبه ثم يبرئه ويتخلص منه بالقرض في بيع الفضة بالذهب أو الارز بالبر بلا قبض قبل تفرق
(و) حرم (تفريق بين أمة) وإن رضيت، أو كانت كافرة، (وفرع لم يميز) ولو من زنا المملوكين لواحد (بنحو بيع) كهبة وقسمة وهدية لغير من يعتق عليه، لخبر: من فرق بين الوالدة وولدها: فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة وبطل العقد (فيهما) أي الربا والتفريق بين الامة والولد، وألحق الغزالي في فتاويه وأقره غيره، التفريق بالسفر بالتفريق بنحو البيع وطرده في التفريق بين الزوجة وولدها، وإن كانت حرة، بخلاف المطلقة والاب وإن علا، والجدة وإن علت ولو من الاب، كالام إذا عدمت. أما بعد التمييز فلا يحرم، لاستغناء المميز عن الحضانة: كالتفريق بوصية وعتق ورهن ويجوز تفريق ولد البهيمة إن استغنى عن أمه بلبن أو غيره، لكن يكره في الرضيع: كتفريق الآدمي المميز قبل البلوغ عن الام، فإن لم يستغن عن اللبن، حرم وبطل، إلا إن كان لغرض الذبح، لكن بحث السبكي حرمة ذبح أمه مع بقائه
(و) حرم أيضا: (بيع نحو عنب ممن) علم أو (ظن أنه يتخذه مسكرا) للشرب والامرد ممن عرف بالفجور به، والديك للمهارشة، والكبش، للمناطحة، والحرير لرجل يلبسه، وكذا بيع نحو المسك لكافر يشتري لتطييب الصنم، والحيوان لكافر علم أنه يأكله بلا ذبح، لان الاصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين عندنا، خلافا لابي حنيفة - رضي الله تعالى عنه - فلا يجوز الاعانة عليهما، ونحو ذلك من كل تصرف يفضي إلى معصية يقينا أو ظنا، ومع ذلك يصح البيع. ويكره بيع ما ذكر ممن توهم منه ذلك، وبيع السلاح لنحو بغاة وقطاع طريق، ومعاملة من بيده حلال وحرام - وإن غلب الحرام الحلال. نعم: إن علم تحريم ما عقد به: حرم، وبطل
(و) حرم (احتكار قوت) كتمر، وزبيب، وكل مجزئ في الفطرة - وهو إمساك ما اشتراه في وقت الغلاء - لا الرخص - ليبيعه بأكثر عند اشتداد حاجة أهل محله أو غيرهم إليه، وإن لم يشتره بقصد ذلك. لا ليمسكه لنفسه أو عياله أو ليبيعه بثمن مثله، ولا إمساك غلة أرضه، وألحق الغزالي بالقوت: كل ما يعين عليه، كاللحم، وصرح القاضي بالكراهة في الثوب. (وسوم علي سوم) أي سوم غيره (بعد تقرر ثمن) بالتراضي به، وإن فحش نقص الثمن عن القيمة، للنهي عنه، وهو أن يزيد على آخر في ثمن ما يريد شراءه أو يخرج له أرخص منه، أو يرغب المالك في استرداده ليشتريه بأغلى، وتحريمه بعد البيع. وقبل لزومه لبقاء الخيار أشد (ونجش) للنهي عنه، وللايذاء: وهو أن يزيد في الثمن، لا لرغبته، بل ليخدع غيره، وإن كانت الزيادة في مال محجور عليه، ولو عند نقص القيمة على الاوجه. ولا خيار للمشتري إن غبن فيه، وإن واطأ البائع الناجش لتفريط المشتري حيث لم يتأمل ويسأل، ومدح السلعة، ليرغب فيها بالكذب كالنجش، وشرط التحريم في الكل: علم النهي، حتى في النجش. ويصح البيع مع التحريم في هذه المواضع
{ فصل في خياري المجلس والشرط وخيار العيب }
يثبت خيار مجلس في كل بيع حتى في الربوي، والسلم. وكذا في هبة ذات ثواب على المعتمد. وخرج بفئ: كل بيع غير البيع: كالابراء، والهبة بلا ثواب، وشركة وقراض، ورهن وحوالة، وكتابة، وإجارة، ولو في الذمة، أو مقدرة بمدة، فلا خيار في جميع ذلك، لانها لا تسمى بيعا
(وسقط خيار من اختار لزومه) أي البيع من بائع ومشتر: كأن يقولا اخترنا لزومه، أو أجزناه، فيسقط خيارهما، أو من أحدهما: كأن يقول اخترت لزومه: فيسقط خياره، ويبقى خيار الآخر، ولو مشتريا
(و) سقط خيار (كل) منهما (بفرقة بدن) منهما، أو من أحدهما، ولو ناسيا، أو جاهلا، عن مجلس العقد (عرفا) فما يعده الناس فرقة: يلزم به العقد، وما لا: فلا. فإن كانا في دار صغيرة، فالفرقة بأن يخرج أحدهما منها، أو في كبيرة: فبأن ينتقل أحدهما إلى بيت من بيوتها، أو في صحراء أو سوق: فبأن يولي أحدهما ظهره ويمشي قليلا وإن سمع الخطاب فيبقى خيار المجلس ما لم يتفرقا، ولو طال مكثهما في محل، وإن بلغ سنين أو تماشيا منازل. ولا يسقط بموت أحدهما: فينتقل الخيار للوارث المتأهل
(وحلف نافي فرقة أو فسخ قبلها) أي قبل الفرقة: بأن جاءآ معا وادعى أحدهما فرقة وأنكرها الآخر ليفسخ أو اتفقا عليها وادعى أحدهما فسخا قبلها وأنكر الآخر: فيصدق النافي، لموافقته للاصل
(و) يجوز (لهما) أي للعاقدين (شرط خيار) لهما أو لاحدهما في كل بيع فيه خيار مجلس إلا فيما يعتق فيه المبيع، فلا يجوز شرطه لمشتر للمنافاة، وفي ربوي وسلم: فلا يجوز شرط فيهما لاحد، لاشتراطه القبض فيهما في المجلس (ثلاثة أيام فأقل)، بخلاف ما لو أطلق أو أكثر من ثلاثة أيام. فإن زاد عليها: لم يصح العقد (من) حين (الشرط للخيار)، سواء أشرط في العقد أم في مجلسه والملك في المبيع مع توابعه في مدة الخيار لمن انفرد بخيار من بائع ومشتر، ثم إن كان لهما: فموقوف، فإن تم البيع: بان أنه لمشتر من حين العقد، وإلا فلبائع
(ويحصل فسخ) للعقد في مدة الخيار (بنحو فسخت البيع) كاسترجعت المبيع. (وإجازة) فيها بنحو: أجزت البيع، كأمضيته، والتصرف في مدة الخيار بوطئ، وإعتاق، وبيع، وإجارة، وتزويج، من بائع: فسخ، ومن مشتر: إجازة للشراء
(و) يثبت (لمشتر جاهل) بما يأتي (خيار) في رد المبيع (ب) - ظهور (عيب قديم) منقص قيمة في المبيع، وكذا للبائع بظهور عيب قديم في الثمن. وآثروا لاول: لان الغالب في الثمن الانضباط، فقيل: فيه ظهور العيب. والقديم ما قارن العقد، أو حدث قبل القبض، وقد بقي إلى الفسخ، ولو حدث بعض القبض فلا خيار للمشتري، وهو (كاستحاضة)، ونكاح لامة، (وسرقة، وإباق، وزنا) من رقيق، أي بكل منها، وإن لم يتكرر وتاب، ذكرا كان أو أنثى (وبول بفراش) إن اعتاده وبلغ سبع سنين وبخر وصنان مستحكمين. ومن عيوب الرقيق: كونه نماما، أو شتاما، أو كذابا، أو آكلا لطين، أو شاربا لنحو خمر، أو تاركا للصلاة، ما لم يتب عنها، أو أصم، أو أبله، أو مصطك الركبتين، أو رتقاء، أو حاملا في آدمية، لا بهيمة، أو لا تحيض من بلغت عشرين سنة، أو أحد ثدييها أكبر من الآخر، (وجماح) لحيوان، (وعض)، ورمح، وكون الدار منزل الجند. أو كون الجن مسلطين على ساكنها بالرجم، أو القردة مثلا يرعون زرع الارض
(و) يثبت بتغرير فعلي. وهو حرام للتدليس والضرر (كتصرية) له: وهي أن يترك حلبه مدة قبل بيعه ليوهم المشتري كثرة اللبن وتجعيد شعر الجارية
(لا) خيار (بغبن فاحش: كظن) مشتر نحو (زجاجة: جوهرة) لتقصيره بعمله بقضية وهمه، من غير بحث
(والخيار) بالعيب، ولو بتصرية (فوري) فيبطل بالتأخير بلا عذر، ويعتبر الفور عادة، فلا يضر صلاة وأكل دخل وقتهما، وقضاء حاجة ولا سلامة على البائع، بخلاف محادثته، ولو عليه ليلا: فله التأخير حتى يصبح، ويعذر في تأخيره بجهله جواز الرد بالعيب، إن قرب عهده بالاسلام، أو نشأ بعيدا عن العلماء، وبجهل فوريته إن خفي عليه، ثم إن كان البائع في البلد: رده المشتري بنفسه، أو وكليه على البائع أو وكيله، ولو كان البائع غائبا عن البلد، ولا وكيل له بها: رفع الامر إلى الحاكم وجوبا، ولا يوءخر لحضوره. فإذا عجز عن الانهاء، لنحو مرض، أشهد على الفسخ، فإن عجز عن الاشهاد: لم يلزمه تلفظ، وعلى المشتري ترك استعمال، فلو استخدم رقيقا، ولو بقوله اسقني، أو ناولني الثوب، أو أغلق الباب، فلا رد قهرا، وإن يفعل الرقيق ما أمر به، فإن فعل شيئا من ذلك بلا طلب: لم يضر
{ فرع }
لو باع حيوانا أو غيره بشرط براءته من العيوب في المبيع أو أن لا يرد بها: صح العقد، وبرئ من عيب باطن بالحيوان موجود حال العقد لم يعلمه البائع، لا عن عيب باطن في غير الحيوان، ولا ظاهر فيه. ولو اختلفا في قدم العيب، واحتمل صدق كل: صدق البائع بيمينه في دعواه حدوثه، لان الاصل: لزوم العقد. وقيل لان الاصل عدم العيب في يده. ولو حدث عيب لا يعرف القديم بدونه ككسر بيض، وجوز، وتقوير بطيخ مدود، رد ولا أرش عليه للحادث، ويتبع في الرد بالعيب: الزيادة المتصلة، كالسمن، وتعلم الصنعة، ولو بأجرة، وحمل قارن بيعا، لا المنفصلة: كالولد، والثمر، وكذا الحمل الحادث في ملك المشتري، فلا تتبع في الرد، بل هي للمشتري
{ فصل في حكم المبيع قبل القبض }
(المبيع قبل قبضه من ضمان بائع) بمعنى انفساخ البيع بتلفه أو إتلاف بائع، وثبوت الخيار بتعيبه أو تعييب بائع، أو أجنبي، وبإتلاف أجنبي. فلو تلف بآفة، أو أتلفه البائع: انفسخ البيع (وإتلاف مشتر قبض) وإن جهل أنه للبيع (ويبطل تصرف) ولو مع بائع (بنحو بيع) كهبة، وصدقة، وإجارة ورهن، وإقراض: (فيما لم يقبض، لا بنحو إعتاق) وتزويج، ووقف: لتشوف الشارع إلى العتق، ولعدم توقفه على القدرة بدليل صحة إعتاق الآبق، ويكون به المشتري قابضا ولا يكون قابضا بالتزويج
(وقبض غير منقول) من أرض ودار وشجر (بتخلية لمشتر) بأن يمكنه منه البائع مع تسليمه المفتاح وإفراغه من أمتعة غير المشتري (و) قبض (منقول) من سفينة أو حيوان (بنقله) من محله إلى محل آخر مع تفريغ السفينة، ويحصل القبض أيضا بوضع البائع للمنقول بين يدي المشتري بحيث لو مد إليه يده لناله. وإن قال: لا أريده وشرط في غائب عن محل العقد، مع إذن البائع في القبض، مضى زمن يمكن فيه المضي إليه عادة. ويجوز لمشتر استقلال بقبض للمبيع إن كان الثمن مؤجلا، أو سلم الحال
(وجاز استبدال) في غير ربوي بيع بمثله من جنسه (عن ثمن) نقد أو غيره: لخبر ابن عمر رضي الله عنه: كنت أبيع الابل بالدنانير، وآخذ مكانها الدارهم، وأبيع بالدراهم، وآخذ مكانها الدنانير، فأتيت رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فسألته عن ذلك، فقال: لا بأس إذا تفرقتما وليس بينكما شئ (و) عن (دين) قرض، وأجرة، وصداق، لا عن مسلم فيه، لعدم استقراره. ولو استبدل موافقا في علة الربا، كدرهم عن دينار، اشترط قبض البدل في المجلس، حذرا من الربا، لا إن استبدل ما لا يوافقه في العلة، كطعام عن درهم ، ولا يبدل نوع أسلم فيه، أو مبيع في الذمة عقد بغير لفظ السلم بنوع آخر، ولو من جنسه: كحنظة سمراء عن بيضاء، لان المبيع مع تعينه لا يجوز بيعه قبل قبضه، فمع كونه في الذمة. أولى. نعم، يجوز إبداله بنوعه الاجود، وكذا الاردأ بالتراضي
{ فصل في بيع الاصول والثمار }
(يدخل في بيع أرض) وهبتها ووقفها، والوصية بها مطلقا، لا في رهنها والاقرار بها (ما فيها) من بناء وشجر رطب وثمره الذي لم يظهر عند البيع، وأصول بقل تجز مرة بعد أخرى، كقثاء، وبطيخ، لا ما يوءخذ دفعة، كبر وفجل لانه ليس للدوام والثبات، فهو كالمنقولات في الدار
(و) يدخل (في) بيع (بستان)، وقرية (أرض، وشجر، وبناء) فيهما، لا مزارع حولهما، لانها ليست منهما
(و) في بيع (دار هذه الثلاثة) أي الارض المملوكة للبائع بحملتها، حتى تخومها إلى الارض السابعة، والشجر المغروس فيها، وإن كثر، والبناء فيها بأنواعه، (وأبواب منصوبة) وأغلاقها المثبتة، لا الابواب المقلوعة، والسرر والحجارة المدفونة بلا بناء
(لا في) بيع (قن) ذكر أو غيره (حلقة) بأذنه، أو خاتم، أو نعل، (و) كذا (ثوب) عليه خلافا للحاوي، كالمحرر، وإن كان ساتر عورته
(وفي) بيع (شجر) رطب بلا أرض عند الاطلاق (عرق) ولو يابسا إن لم يشرط قطع الشجر، بأن شرط إبقاوه أو أطلق، لوجوب بقاء الشجر الرطب. ويلزم المشتري قلع اليابس عند الاطلاق، للعادة، فإن شرط قطعه أو قلعه: عمل به، أو إبقاؤه: بطل البيع ولا ينتفع المشتري بمغرسها (وغصن رطب)، لا يابس، والشجر رطب، لان العادة قطعه، وكذا ورق رطب، لا ورق حناء على الاوجه، (لا) يدخل في بيع الشجر (مغرسه)، فلا يتبعه في بيعه، لان اسم الشجر لا يتناوله (و) لا ثمر (ظهر): كطلع نخل بتشقق، وثمر نحو عنب: ببروز، وجوز: بانعقاد، فما ظهر منه: للبائع، وما لم يظهر: للمشتري. ولو شرط الثمر لاحدهما: فهو له، عملا بالشرط: سواء أظهر الثمر أم لا، (ويبقيان) أي الثمر الظاهر والشجر عند الاطلاق، فيستحق البائع تبقية الثمر إلى أوان الجداد، فيأخذه دفعة، لا تدريجا، وللمشتري تبقية الشجر ما دام حيا، فإن انقلع، فله غرسه إن نفع لا بد له
(و) يدخل (في) بيع (دابة حملها) المملوك لمالكها، فإن لم يكن مملوكا لمالكها، لم يصح البيع، كبيعها دون حملها، وكذا عكسه
{ فصل في اختلاف المتعاقدين }
(ولو اختلف متعاقدان) - ولو وكيلين، أو وارثين - (في صفة عقد) معاوضة كبيع، وسلم، وقراض، وإجارة، وصداق، (و) الحال أنه قد (صح) العقد باتفاقهما، أو يمين البائع: (كقدر عوض) من نحو مبيع، أو ثمن، أو جنسه، أو صفته، أو أجل، أو قدره، (ولا بينة لاحدهما) بما ادعاه، أو كان لكل منهما بينة، ولكن قد تعارضتا بأن أطلقتا، أو أطلقت إحداهما وأرخت الاخرى، أو أرختا بتاريخ واحد، وإلا حكم بمقدمة التاريخ. (حلف كل) منهما يمينا واحدة، تجمع نفيا لقول صاحبه، وإثباتا لقوله، فيقول البائع مثلا: ما بعت بكذا، ولقد بعت بكذا. ويقول المشتري: ما اشتريت بكذا، ولقد اشتريت بكذا، لان كلا: من المدعي والمدعى عليه. والاوجه: عدم الاكتفاء بما بعت إلا بكذا، لان النفي فيه: صريح والاثبات: مفهوم، (فإن) رضي أحدهما بدون ما ادعاه، أو سمح للآخر بما ادعاه، لزم العقد، ولا رجوع، فإن (أصرا) على الاختلاف: (فلكل) منهما (أو) للحاكم (فسخه) أي العقد، وإن لم يسألاه، قطعا، للنزاع. ولا تجب الفورية هنا. ثم بعد الفسخ: يرد المبيع بزيادته المتصلة، فإن تلف حسا أو شرعا، كأن وقفه أو باعه، رد مثله إن كان مثليا، أو قيمته إن كان متقوما. ويرد على البائع قيمة آبق فسخ العقد، وهو آبق من عند المشتري، والظاهر اعتبارها بيوم الهرب
(ولو ادعى) أحدهما (بيعا، والآخر رهنا، أو هبة): كأن قال أحدهما بعتكه بألف، فقال الآخر: بل رهنتنيه، أو وهبتنيه، فلا تخالف إذا لم يتفقا على عقد واحد، بل (حلف كل) منهما للآخر (نفيا)، أي يمينا نافية لدعوى الآخر لان الاصل: عدمه، ثم يرد مدعى البيع الالف، لانه مقر بها، ويسترد العين بزوائدها المتصلة والمنفصلة
(و) إذا اختلف العاقدان: فادعى أحدهما اشتمال العقد على مفسد من إخلال ركن أو شرط، كأن ادعى أحدهما رؤيته، وأنكرها الآخر: (حلف مدعي صحة) العقد غالبا، تقديما للظاهر من حال المكلف، وهو اجتنابه للفاسد، على أصل عدمها لتشوف الشارع إلى إمضاء العقود، وقد يصدق مدعي الفساد، كأن قال البائع: لم أكن بالغا حين البيع، وأنكر المشتري، واحتمل ما قاله البائع: صدق بيمينه، لان الاصل: عدم البلوغ. وإن اختلفا: هل وقع الصلح على الانكار أو الاعتراف ؟ فيصدق مدعي الانكار: لانه الغالب
ومن وهب في مرضه شيئا، فادعت ورثته غيبة عقله حال الهبة: لم يقبلوا، إلا إن علم له غيبة قبل الهبة، وادعوا استمرارها إليها. ويصدق منكر أصل نحو البيع
{ فروع }
لورد المشتري مبيعا معينا معيبا. فأنكر البائع أنه المبيع. فيصدق بيمينه، لان الاصل مضي العقد على السلامة. ولو أتى المشتري بما فيه فأرة، وقال قبضته كذلك، فأنكر المقبض صدق بيمينه. ولو أفرغه في ظرف المشتري، فظهرت فيه فأرة، فادعى كل أنها من عند الآخر: صدق البائع بيمينه إن أمكن صدقه، لانه مدع للصحة، ولان الاصل في كل حادث: تقديره بأقرب زمن. والاصل براءة البائع. وإن دفع لدائنه دينه فرده بعيب، فقال الدافع ليس هو الذي دفعته: صدق الدائن - لان الاصل: بقاء الذمة. ويصدق غاصب رد عينا، وقال هي المغصوبة، وكذا وديع
{ فصل في القرض والرهن }
(الاقراض) وهو تمليك شئ على أن يرد مثله (سنة)، لان فيه إعانة على كشف كربة، فهو من السنن الاكيدة، للاحاديث الشهيرة كخبر مسلم من نفس على أخيه كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة. والله في عون العبد، ما دام العبد في عون أخيه وصح خبر من أقرض الله مرتين: كان له مثل أجر أحدهما لو تصدق به والصدقة أفضل منه، خلافا لبعضهم. ومحل ندبه: إن لم يكن المقترض مضطرا، وإلا وجب. ويحرم الاقتراض على غير مضطر لم يرج الوفاء من جهة ظاهرة فورا في الحال، وعند الحلول في المؤجل، كالاقراض عند العلم، أو الظن من آخذه أنه ينفقه في معصية. ويحصل (بإيجاب: كأقرضتك) هذا، أو ملكتكه على أن ترد مثله، أو خذه ورد بدله، أو إصرفه في حوائجك ورد بدله، فإن حذف ورد بدله: فكناية. وخذه فقط: لغو، إلا إن سبقه أقرضني هذا، فيكون قرضا، أو أعطني، فيكون هبة. ولو اقتصر على ملكتكه، ولم ينو البدل: فهبة، وإلا فكناية. ولو اختلفا في نية البدل: صدق الدافع، لانه أعرف بقصده. أو في ذكر البدل: صدق الآخذ في عدم الذكر، لانه الاصل. والصيغة ظاهرة فيما ادعاه
ولو قال لمضطر أطعمتك بعوض، فأنكر، صدق المطعم، حملا للناس على هذه المكرمة ولو قال وهبتك بعوض، فقال مجانا: صدق المتهب. ولو قال اشتر لي بدرهمك خبز، فاشتري له: كان الدرهم قرضا، لا هبة، على المعتمد
(وقبول) متصل به: كأقرضته، وقبلت قرضه. نعم: القرض الحكمي - كالانفاق على اللقيط المحتاج، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، لا يفتقر إلى إيجاب وقبول. ومنه أمر غيره بإعطاء ماله غرض فيه: كإعطاء شاعر، أو ظالم، أو إطعام فقير، أو فداء أسير - وعمر داري. وقال جمع: لا يشترط في القرض: الايجاب والقبول واختاره الاذرعي. وقال قياس جواز المعاطاة في البيع: جوازها هنا
وإنما يجوز القرض من أهل تبرع: فيما يسلم فيه من حيوان وغيره ولو نقدا مغشوشا. نعم. يجوز قرض الخبز، والعجين، والخمير الحامض، لا الروبة، على الاوجه، وهي خميرة لبن حامض، تلقى على اللبن ليروب، لاختلاف حموضتها المقصودة
ولو قال أقرضني عشرة، فقال خذها من فلان، فإن كانت له تحت يده: جاز، وإلا فهو وكيل في قبضها، فلا بد من تجديد قرضها
ويمتنع على ولي قرض مال موليه بلا ضرورة. نعم: يجوز للقاضي إقراض مال المحجور عليه بلا ضرورة، لكثرة أشغاله: إن كان المقترض أمينا موسرا
(وملك مقترض بقبض) بإذن مقرض، وإن لم يتصرف فيه، كالموهوب. قال شيخنا: والاوجه في النقوط المعتاد في الافراح أنه هبة، لا قرض، وإن اعتيد رد مثله. ولو أنفق على أخيه الرشيد وعياله سنين وهو ساكت: لا يرجع به، على الاوجه
(و) جاز (لمقرض استرداد) حيث بقي ذلك المقترض، وإن زال عن ملكه ثم عاد على الاوجه، بخلاف ما لو تعلق به حق لازم، كرهن، وكتابة، فلا يرجع فيه حينئذ. نعم: لو آجره رجع فيه، ويجب على المقترض رد المثل في المثلى، وهو النقد والحبوب، ولو نقدا أبطله السلطان، لانه أقرب إلى حقه، ورد المثل صورة في المتقوم، وهو الحيوان، والثياب والجواهر، ولا يجب قبول الردئ عن الجيد، ولا قبول المثل في غير محل الاقراض إن كان له غرض صحيح، كأن كان لنقله مؤنة، ولم يتحملها المقترض، أو كان الموضع مخوفا. ولا يلزم المقترض الدفع في غير محل الاقراض إلا إذا لم يكن لحملة مؤنة، أو له مؤنة وتحملها المقرض، لكن له مطالبة في غير محل الاقراض بقيمة بمحل الاقراض وقت المطالبة فيما لنقله مؤنة ولم يتحلمها المقرض لجوزا الاعتياض عنه
(و) جاز لمقرض (نفع) يصل له من مقترض، كرد الزائد قدرا أو صفة، والاجود في الردئ (بلا شرط) في العقد، بل يسن ذلك لمقترض، لقوله صلي الله عليه وسلم: إن خياركم: أحسنكم قضاء ولا يكره للمقرض أخذه، كقبول هديته، ولو في الربوي. والاوجه أن المقرض يملك الزائد من غير لفظ، لانه وقع تبعا، وأيضا فهو يشبه الهدية، وأن المقترض إذا دفع أكثر مما عليه، وادعى أنه إنما دفع ذلك ظنا أنه الذي عليه: حلف، ورجع فيه. وأما القرض بشرط جر نفع لمقرض ففاسد، لخبر كل قرض جر منفعة، فهو ربا وجبر ضعفه: مجئ معناه عن جمع من الصحابة. ومنه القرض لمن يستأجر ملكه، أي مثلا بأكثر من قيمته لاجل القرض. إن وقع ذلك شرطا، إذ هو حينئذ حرام إجماعا، وإلا كره عندنا، وحرام عند كثير من العلماء، قاله السبكي، ويجوز الاقراض بشرط الرهن أو الكفيل. ولو قال أقرض هذا مائة وأنا لها ضامن، فأقرضه المائة - أو بعضها - كان ضامنا، على الاوجه، للحاجة: كألق متاعك في البحر وعلي ضمانهم وقال البغوي: لو ادعى المالك القرض، والآخذ الوديعة: صدق الآخذ لان الاصل: عدم الضمان، خلافا للانوار
(ويصح رهن) وهو جعل عين يجوز بيعها وثيقة بدين يستوفى منها عند تعذر وفائه، فلا يصح رهن وقف وأم ولد (بإيجاب وقبول) كرهنت، وأرتهنت ويشترط ما مر في البيع، من اتصال اللفظين، وتوافقهما معنى، ويأتي هنا خلاف المعاطاة (من أهل تبرع)، فلا يرهن ولي - أبا كان، أو جدا، أو وصيا، أو حاكما - مال صبي ومجنون، كما لا يرتهن لهما - إلا لضرورة، أو غطبة ظاهرة، فيجوز له الرهن والارتهان - كأن يرهن على ما يقترض لحاجة المؤنة ليوفي مما ينتظر من الغلة أو حلول الدين، وكأن يرتهن على ما يقرضه أو يبيعه مؤجلا لضرورة نهب أو نحوه، للزوم الارتهان حينئذ (ولو) كان العين المرهونة جزءا مشاعا، أو (عارية)، وإن لم يصرح بلفظها، كأن قال له مالكها: ارهنها بدينك لحصول التوثق بها. ويصح إعارة النقد لذلك، على الاوجه، وإن منعنا إعارته لغير ذلك، فيصح رهن معار بإذن مالك بشرط معرفته المرتهن، وجنس الدين وقدره. نعم، في الجواهر لو قال له ارهن عبدي بما شئت: صح أن يرهنه بأكثر من قيمته. ولو عين قدرا فرهن بدونه: جاز، ولا رجوع للمالك بعد قبض المرتهن العارية، فلو تلف في يد الراهن، ضمن لانه مستعير الآن، اتفاقا، أو في يد المرتهن: فلا ضمان عليهما، إذ المرتهن أمين، ولم يسقط الحق عن ذمة الراهن. نعم: إن رهن فاسدا: ضمن بالتسليم، على ما قاله غير واحد، ويباع المعار بمراجعة مالكه عند حلول الدين، ثم يرجع المالك على الراهن بثمنه الذي بيع به
(لا) يصح (بشرط ما يضر) الراهن، أو المرتهن: (كأن لا يباع) أي المرهون، عند المحل، أي وقت حلول الدين، أو إلا بأكثر من ثمن المثل، (وكشرط منفعته) أي المرهون (لمرتهن) كأن يشرطا أن الزوائد الحادثة - كثمر الشجر - (مرهونة) فيبطل الرهن في الصور الثلاث
(ولا يلزم) الرهن كالهبة (إلا بقبض) بما مر في قبض المبيع (بإذن) من راهن يصح تبرعه، ويحصل الرجوع عن الرهن قبل قبضه بتصرف يزيل الملك كالهبة، والرهن لآخر، ولا بوطئ، وتزويج، وموت عاقد، وهرب مرهون
(واليد) في المرهون (لمرتهن) بعد لزوم الرهن غالبا (وهي) على الرهن (أمانة) أي يد أمانة، ولو بعد البراءة من الدين، فلا يضمنه المرتهن إلا بالتعدي: كأن امتنع من الرد بعد سقوط الدين
(وصدق) أي المرتهن (كالمستأجر في) دعوى (تلف) بيمينه (لا في رد) لانهما قبضا لغرض أنفسهما، فكانا كالمستعير، بخلاف الوديع، والوكيل، ولا يسقط بتلفه شئ من الدين. ولو غفل عن نحو كتاب، فأكلته الارضة، أو جعله في محل هو مظنتها، ضمنه لتفريطه
{ قاعدة }
وحكم فساد العقود إذا صدر من رشيد، حكم صحيحها في الضمان وعدمه، لان صحيح العقد إذا اقتضى الضمان بعد القبض - كالبيع والقرض - ففاسده أولى، أو عدمه - كالمرهون، والمستأجر والموهوب، ففاسده كذلك
{ فرع }
لو رهن شيئا وجعله مبيعا من المرتهن بعد شهر، أو عارية له بعده، بأن شرطا في عقد الرهن ثم قبضه المرتهن: لم يضمنه قبل مضي الشهر، وإن علم فساده - على المعتمد - وضمنه بعده لانه يصير بيعا، أو عارية فاسدين لتعليقهما بانقضاء الشهر. فإن قال رهنتك، فإن لم أقض عند الحلول فهو مبيع منك: فسد البيع، لا الرهن، على الاوجه، لانه لم يشترط فيه شيئا
(وله) أي للمرتهن (طلب بيعه) أي المرهون، أو طلب قضاء دينه إن لم يبع. ولا يلزم الراهن البيع بخصوصه، بل إنما يطلب المرتهن أحد الامرين (إن حل دين)، وإنما يبيع الراهن بإذن المرتهن عند الحاجة، لان له فيه حقا ويقدم المرتهن بثمنه على سائر الغرماء. فإن أبى المرتهن الاذن. قال له الحاكم ائذن في بيعه، أو أبرئه من الدين
(ويجبر راهن) أي يجبره الحاكم على أحد الامرين إذا امتنع بالحبس، وغيره، (فإن أصر) على الامتناع، أو كان غائبا وليس له ما يوفى منه غير الرهن. (باعه) عليه (قاض) بعد ثبوت الدين، وملك الراهن والرهن، وكونه بمحل ولايته وقضى الدين من ثمنه، دفعا لضرر المرتهن، ويجوز للمرتهن بيعه في دين حال بإذن الراهن وحضرته، بخلافه في غيبته. نعم، إن قدر له الثمن: صح مطلقا، لانتفاء التهمة ولو شرطا أن يبيعه ثالث عند المحل: جاز بيعه بثمن مثل حال: ولا يشترط مراجعة الراهن في البيع، لان الاصل بقاء إذنه، بل المرتهن، لانه قد يمهل، أو يبرئ
(وعلى مالكه) من راهن، أو معير له: (مؤنة) للمرهون - كنفقة رقيق، وكسوته، وعلف دابة، وأجرة رد آبق، ومكان حفظ، وإعادة ما يهدم إجماعا، خلافا لما شذ به الحسن. فإن غاب أو أعسر. راجع المرتهن الحاكم، وله الانفاق بإذنه ليكون رهنا بالنفقة أيضا. فإن تعذر استئذانه، وأشهد بالانفاق ليرجع، رجع، وإلا فلا، (وليس له) أي للمالك بعد لزوم الرهن: بيع، ووقف، و (رهن لآخر)، لئلا يزاحم المرتهن (ووطئ) للمرهونة بلا إذنه، وإن لم تحبل، حسما للباب، بخلاف سائر التمتعات، فتحل، إن أمن الوطئ، (وتزويج) الامة مرهونة، لنقصه القيمة، (لا) إن كان التزويج (منه): أي المرتهن، أو بإذنه، فلا يمتنع على الراهن، وكذا لا تجوز الاجارة لغير المرتهن بلا إذن إن جاوزت مدتها المحل. ويجوز له الانتفاع بالركوب والسكنى، لا بالبناء والغرس. نعم، لو كان الدين مؤجلا، وقال: أنا أقلع عند الاجل، فله ذلك. وأما وطئ المرتهن الجارية المرهونة، ولو بإذن المالك، فزنا، حيث علم التحريم، فعليه الحد، ويلزمه المهر، ما لم تطاوعه، عالمة بالتحريم، وما نسب إلى عطاء، من تجويزه الوطئ بإذن المالك، ضعيف جدا، بل قيل إنه مكذوب عليه
وسئل
القاضي الطيب الناشري عن الحكم فيما اعتاده النساء من ارتهان الحلى مع الاذن في لبسها. (فأجاب) لا ضمان على المرتهنة مع اللبس، لان ذلك في حكم إجارة فاسدة معللا ذلك: بأن المقرضة، لا تقرض مالها إلا لاجل الارتهان واللبس، فجعل ذلك عوضا فاسدا في مقابلة اللبس
(ولو اختلفا) أي الراهن، والمرتهن (في أصل رهن)، كأن قال رهنتني كذا، فأنكر الآخر، (أو) في (قدره): أي المرهون كرهنتني الارض مع شجرها، فقال: بل وحدها، أو قدر المرهون به: كبألفين، فقال بل بألف: (صدق راهن) بيمينه. وإن كان المرهون بيد المرتهن لان الاصل عدم ما يدعيه المرتهن. ولو ادعى مرتهن هو بيده أنه قبضه بالاذن، وأنكره الراهن، وقال بل غصبته، أو أعرتكه، أو آجرتكه: صدق في جحده بيمينه
{ فرع }
من عليه ألفان بأحدهما رهن أو كفيل، فأدي ألفا وقال أديته عن ألف الرهن: صدق بيمينه، لان المؤدي أعرف بقصده وكيفيته. ومن ثم لو أدى لدائنه شيئا وقصد أنه عن دينه وقع عنه، وإن ظنه الدائن هدية، كذا قالوه، ثم إن لم ينو الدافع، شيئا حالة الدفع: جعله عما شاء منهما، لان التعيين إليه
{ تتمة }
المفلس من عليه دين لآدامي حال زائد على ماله: يحجر عليه، بطلبه الحجر على نفسه، أو طلب غرمائه وبالحجر: يتعلق حق الغرماء بماله، فلا يصح تصرفه فيه بما يضرهم. كوقف، وهبة، ولا بيعه، ولو لغرمائه بدينهم، بغير إذن القاضي. ويصح إقراره بعين أو دين أسند وجوبه لما قبل الحجر. ويبادر قاض يبيع ماله، ولو مسكنه، وخادمه، بحضرته مع غرمائه، وقسم ثمنه بين غرمائه كبيع مال ممتنع عن أداء حق وجب عليه أداوه
ولقاض إكراه ممتنع من الاداء بالحبس وغيره من أنواع التعزير
ويحبس مدين مكلف عهد له المال لا أصل وإن علا من جهة أب أو أم بدين فرعه، خلافا للحاوي، كالغزالي
وإذا ثبت إعسار مدين: لم يجز حبسه، ولا ملازمته - بل يمهل حتى يوسر
وللدائن ملازمة من لم يثبت إعساره، ما لم يختر المدين الحبس، فيجاب إليه، وأجرة الحبس، وكذا الملازم على المدين
وللحاكم منع المحبوس: الاستئناس بالمحادثة، وحضور الجمعة، وعمل الصنعة - إن رأى المصلحة فيه
ولا يجوز للدائن تجويع المدين بمنع الطعام - كما أفتى به شيخنا الزمزمي، رحمه الله تعالى
ويجوز لغريم المفلس المحجور عليه أو الميت: الرجوع فورا إلى متاعه، إن وجد في ملكه ولم يتعلق به حق لازم، والعوض حال، وإن تفرخ البيض المبيع، ونبت البذر واشتد حب الزرع، لانها حدثت من عين ماله
ويحصل الرجوع من البائع، ولو بلا قاض، بنحو فسخت، ورجعت في المبيع - لا بنحو بيع وعتق فيه
{ فصل }
(يحجر بجنون إلى إفاقة وصبا إلى بلوغ) بكمال خمس عشرة سنة قمرية، تحديدا، بشهادة عدلين خبيرين، أو خروج مني، أو حيض، وإمكانهما كمال تسع سنين. ويصدق مدعي بلوغ: بإمناء، أو حيض، ولو في خصومة، بلا يمين. إذ لا يعرف إلا منه. ونبت العانة الخشنة، بحيث تحتاج إلى الحلق في حق كافر: ذكر أو أنثى، أمارة على بلوغه بالسن أو الاحتلام. ومثله: ولد من جهل إسلامه، لا من عدم من يعرف سنه: على الاوجه، وقيل يكون علامة في حق المسلم أيضا. وألحقوا، بالعانة: الشعر الخشن في الابط، وإذا بلغ الصبي رشيدا: أعطى ماله والرشد: صلاح الدين، والمال، بأن لا يفعل محرما يبطل عدالة: من ارتكاب كبيرة أو إصرار على صغيرة مع عدم غلبة طاعاته معاصيه، وبأن لا يبذر بتضييع المال باحتمال غبن فاحش في المعاملة، وإنفاقه، ولو فلسا في محرم. وأما صرفه في الصدقة، ووجوه الخير، والمطاعم، والملابس، والهدايا التي لا تليق به، فليس بتبذير. وبعد إفاقة المجنون وبلوغ الصبي - ولو بلا رشد - يصح الاسلام، والطلاق، والخلع، وكذا التصرف المالي بعد الرشد. وولي الصبي: أب عدل، فأبوه وإن علا، فوصي فقاضي بلد المولى، إن كان عدلا أمينا، فإن كان ماله ببلد آخر: فولي ماله قاضي بلد المال - في حفظه، وبيعه، وإجارته عند خوف هلاكه - فصلحاء بلده ويتصرف الولي بالمصلحة ويلزمه حفظ ماله، واستنماؤه قدر النفقة، والزكاة، والمؤن، إن أمكنه، وله السفر به في طريق آمن لمقصد آمن برا، لا بحرا، وشراء عقار يكفيه غلته أولى من التجارة، ولا يبيع عقاره إلا لحاجة أو غبطة ظاهرة وأفتى بعضهم بأن للولي الصلح على بعض دين المولي إذا تعين ذلك طريقا لتخليص ذلك البعض، كما أن له، بل يلزمه، دفع بعض ماله لسلامة باقية. انتهى. وله بيع ماله نسيئة لمصلحة، وعليه أن يرتهن بالثمن رهنا وافيا إن لم يكن المشتري موسرا. ولولي إقراض مال محجور لضرورة. ولقاض ذلك مطلقا، بشرط كون المقترض مليئا أمينا، ولا ولاية لام على الاصح، ومن أدلى بها، ولا لعصبة. نعم، لهم الانفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه، لانه قليل، فسومح به عند فقد الولي الخاص. ويصدق أب أو جد في أنه تصرف لمصلحة بيمينه، وقاض بلا يمين، إن كان ثقة عدلا، مشهور العفة، وحسن السيرة، لا وصي، وقيم، وحاكم، وفاسق، بل المصدق بيمينه هو المحجور، حيث لا بينة، لانهم قد يتهمون. ومن ثم: لو كانت الام وصية كانت كالاولين، وكذا آباؤها
{ فرع }
ليس لولي أخذ شئ من مال موليه إن كان غنيا مطلقا، فإن كان فقيرا وانقطع بسببه عن كسبه: أخذ قدر نفقته، وإذا أيسر: لم يلزمه بدل ما أخذه. قال الاسنوي: هذا في وصي وأمين، أما أب أو جد، فيأخذ قدر كفايته - اتفاقا - سواء الصحيح وغيره. وقيس بولي اليتيم فيما ذكر: من جمع مالا لفك أسير، أي مثلا، فله إن كان فقيرا الاكل منه. وللاب والجد: استخدام محجوره فيما لا يقابل بأجرة ولا يضربه على ذلك، خلافا لمن جزم بأن له ضربه عليه
وأفتى النووي
بأنه لو استخدم ابن ابنته: لزمه أجرته إلى بلوغه ورشد، وإن لم يكرهه. ولا يجب أجرة الرشيد إلا إن أكره. ويجري هذا في غير الجد للام، وقال الجلال البلقيني: لو كان للصبي مال غائب فأنفق وليه عليه من مال نفسه بنية الرجوع، إذا حضر ماله رجع، إن كان أبا أو جدا، لانه يتولى الطرفين، بخلاف غيرهما: أي حتى الحاكم، بل يأذن لمن ينفق، ثم يوفيه وأفتى جمع فيمن ثبت له على أبيه دين فادعى إنفاقه عليه: بأنه يصدق هو أو وارثه باليمين
{ فصل في الحوالة }
(تصح حوالة بصيغة) وهي إيجاب من المحيل: كأحلتك على فلان بالدين الذي لك علي، أو نقلت حقك إلى فلان، أو جعلت مالي عليه لك، وقبول من المحتال بلا تعليق، ويصح بأحلني، (وبرضا محيل، ومحتال) ولا يشترط رضا المحال عليه
(ويلزم بها) أي الحوالة (دين محتال محالا عليه) فيبرأ المحيل بالحوالة عن دين المحتال، والمحال عليه عن دين المحيل، ويتحول حق المحتال إلى ذمة المحال عليه إجماعا
(فإن تعذر أخذه منه بفلس) حصل للمحال عليه، وإن قارن الفلس الحوالة، (أو جحد) أي إنكار منه للحوالة، أو دين المحيل وحلف عليه، أو بغير ذلك: كتعزز المحال عليه، وموت شهود الحوالة: (لم يرجع) المحتال (على محيل) بشئ، وإن جهل ذلك، ولا يتخير لو بان المحال عليه معسرا وإن شرط يساره. ولو طلب المحتال المحال عليه فقال أبرأني المحيل قبل الحوالة، وأقام بذلك بينة: سمعت، وإن كان المحيل في البلد. ثم المتجه أن للمتحال: الرجوع بدينه على المحيل، إلا إذا استمر على تكذيب المحال عليه. ولو باع عبدا وأحال بثمنه، ثم اتفق المتبايعان على حريته وقت البيع، أو ثبتت حريته حينئذ ببينة شهدت حسبة، أو أقامها العبد: لم تصح الحوالة، وإن كذبهما المحتال في الحرية ولا بينة فلكل منهما تحليفه على نفي العلم بها، وبقيت الحوالة
(ولو اختلفا) أي الدائن والمدين في أنه (هل وكل أو أحال ؟) بأن قال المدين: وكلتك لتقبض لي، فقال الدائن: بل أحلتني، وقال المدين: أحلتك، فقال الدائن: بل وكلتني، (صدق منكر حوالة) بيمينه، فيصدق المدين في الاولى، والدائن في الاخيرة. لان الاصل بقاء الحق في ذمة المستحق عليه
{ تتمة }
يصح من مكلف رشيد: ضمان بدين واجب، سواء استقر في ذمة المضمون له: كنفقة اليوم وما قبله للزوجة، أو لم يستقر، كثمن مبيع لم يقبض، وصداق قبل وطئ، لا بما سيجب، كدين قرض، ونفقة غد للزوجة، ولا بنفقة القريب مطلقا. ولا يشترط رضا الدائن والمدين. وصح ضمان الرقيق بإذن سيده. وتصح منه كفالة بعين مضمونة، كمغصوبة، ومستعارة، وببدن من يستحق حضوره مجلس حكم بإذنه، ويبرأ الكفيل بإحضار مكفول، شخصا كان أو عينا، إلى المكفول له، وإن لم يطالبه، وبحضوره عن جهة الكفيل بلا حائل: كمتغلب بالمكان الذي شرط في الكفالة الاحضار إليه، وإلا فحيث وقعت الكفالة فيه. فإن غاب لزمه إحضاره، إن عرف محله، وأمن الطريق، وإلا فلا. ولا يطالب كفيل بمال، وإن فات التسليم بموت أو غيره. فلو شرط أنه يغرم المال، ولو مع قوله إن فات التسليم للمكفول، لم تصح. وصيغة الالتزام فيهما: كضمنت دينك على فلان، أو تحملته، أو تكفلت ببدنه، أو أنا بالمال، أو بإحضار الشخص ضامن، أو كفيل. ولو قال أوءدي المال، أو أحضر الشخص، فهو وعد بالتزام، كما هو صريح الصيغة، نعم: إن حفت به قرينة تصرفه إلى الانشاء: انعقد به، كما بحثه ابن الرفعة، واعتمده السبكي، ولا يصحان بشرط براءة أصيل، ولا بتعلق وتوقيت. وللمستحق مطالبة الضامن والاصيل. ولو برئ: برئ الضامن. ولا عكس في الابراء، دون الاداء، ولو مات أحدهما والدين مؤجل: حل عليه. ولضامن رجوع على أصيل، إن غرم. ولو صالح عن الدين بما دونه: لم يرجع إلا بما غرم ولو أدى دين غيره بإذن: رجع، وإن لم يشرط له الرجوع، لا إن أداه بقصد التبرع
{ فرع }
أفتى جمع محققون بأنه لو قال رجلان لآخر: ضمنا مالك على فلان: طالب كلا بجميع الدين. وقال جمع متقدمون: طالب كلا بنصف الدين، ومال إليه الاذرعي. قال شيخنا: إنما تقسط الضمان في: ألق متاعك في البحر وأنا وركاب السفينة ضامنون، لانه ليس ضمانا حقيقة، بل استدعاء إتلاف مال لمصلحة فاقتضت التوزيع، لئلا ينفر الناس عنها
{ واعلم }
أن الصلح جائز مع الاقرار، وهو على شئ غير المدعي معاوضة - كما لو قال: صالحتك عما تدعيه على هذا الثوب، فله حكم البيع، وعلى بعض المدعى إبراء إن كان دينا، فلو لم يقل المدعي أبرأت ذمتك: لم يضر، ويلغى الصلح حيث لا حجة للمدعي مع الانكار، أو السكوت من المدعى عليه، فلا يصح الصلح على الانكار، وإن فرض صدق المدعي، خلافا للائمة الثلاثة. نعم، يجوز للمدعي المحق أن يأخذ ما بذل له في الصلح على الانكار، ثم إن وقع بغير مدعى به كان ظافرا وسيأتي حكم الظفر
{ فرع }
يحرم على كل أحد غرس شجر في شارع، ولو لعموم النفع للمسلمين، كبناء دكة، وإن لم يضر فيه، ولو لذلك أيضا، وإن انتفى الضرر حالا، أو كانت الدكة بفناء داره. ويحل الغرس بالمسجد للمسلمين أو ليصرف ريعه بل يكره
باب في الوكالة والقراض
(تصح وكالة) شخص متمكن لنفسه كعبد، وفاسق في قبول نكاح، ولو بلا إذن سيد، لا في إيجابه، وهي تفويض شخص أمره إلى آخر فيما يقبل النيابة ليفعله في حياته، فتصح (في كل عقد): كبيع، ونكاح، وهبة، ورهن، وطلاق منجز، (و) في كل (فسخ) كإقالة، ورد بعيب. وفي قبض، وإقباض للدين أو العين، وفي إستيفاء عقوبة آدمي، والدعوى والجواب، وإن كره الخصم، وإنما تصح الوكالة فيما ذكر، إن كان (عليه ولاية لموكل) بملكه التصرف فيه حين التوكيل، فلا يصح في بيع ما سيملكه وطلاق من سينكحها، لانه لا ولاية له عليه حينئذ، وكذا لو وكل من يزوج موليته إذا طلقت أو انقضت عدتها، على ما قاله الشيخان هنا، لكن رجح في الروضة، في النكاح، الصحة. وكذا لو قالت له، وهي في نكاح أو عدة، أذنت لك في تزويجي إذا حللت، ولو علق ذلك على الانقضاء أو الطلاق، فسدت الوكالة، ونفذ التزويج للاذن
(لا) في (إقرار) أي لا يصح التوكيل فيه، بأن يقول لغيره: وكلتك لتقر عني لفلان بكذا، فيقول الوكيل أقررت عنه بكذا، لانه إخبار عن حق، فلا يقبل التوكيل، لكن يكون الموكل مقرا بالتوكيل
(و) لا في (يمين)، لان القصد بها تعظيم الله تعالى، فأشبهت العبادة. ومثلها: النذر، وتعليق العتق والطلاق بصفة، ولا في الشهادة، إلحاقا لها بالعبادة، والشهادة على الشهادة ليست توكيلا، بل الحاجة جعلت الشاهد المتحمل عنه، كحاكم أدى عنه عند حاكم آخر
(و) لا في (عبادة)، إلا في حج، وعمرة، وذبح نحو أضحية
ولا تصح الوكالة إلا (بإيجاب) وهو ما يشعر برضا الموكل الذي يصح مباشرته الموكل فيه في التصرف: (كوكلتك) في كذا، أو فوضت إليك، أو أنبتك، أو أقمتك مقامي فيه، (أو بع) كذا، أو زوج فلانة، أو طلقها، أو أعطيت بيدك طلاقها وأعتق فلانا
قال السبكي
: يوءخذ من كلامهم صحة قول من لا ولي لها: أذنت لكل عاقد في البلد أن يزوجني. قال الاذرعي: وهذا، إذا صح محله، إن عينت الزوج ولم تفوض إلا صيغة فقط. وبنحو ذلك. أفتى ابن الصلاح
ولا يشترط في الوكالة: القبول لفظا، لكن يشترط عدم الرد فقط
ولو تصرف غير عالم بالوكالة: صح، إن تبين وكالته حين التصرف، كمن باع مال أبيه ظانا حياته فبان ميتا
ولا يصح تعليق الوكالة بشرط: كإذا جاء رمضان فقد وكلتك في كذا، فلو تصرف بعد وجود الشرط المعلق، كأن وكله بطلاق زوجة سينكحها، أو ببيع عبد سيملكه، أو بتزويج بنته إذا طلقت واعتدت: فطلق بعد أن نكح، أو باع بعد أن ملك، أو زوج بعد العدة نفذ عملا بعموم الاذن. وإن قلنا بفساد الوكالة بالنسبة إلى سقوط الجعل المسمى إن كان ووجوب أجرة المثل، وصح تعليق التصرف فقط، كبعه لكن بعد شهر، وتأقيتها: كوكلتك إلى شهر رمضان. ويشترط في الوكالة أن يكون الموكل فيه معلوما للوكيل، ولو بوجه، كوكلتك في بيع جميع أموالي، وعتق أرقائي، وإن لم تكن أمواله وأرقاؤه معلومة، لقلة الغرر فيه، بخلاف بع هذا أو ذاك، وفارق إحدى عبيدي، بأن الاحد صادق على كل، وبخلاف بع بعض مالي. نعم: يصح بع، أو هب منه ما شئت. وتبطل في المجهول، كوكلتك في كل قليل وكثير، أو في كل أموري، أو تصرف في أموري كيف شئت لكثرة الغرور فيه
(وباع) كالشريك (وكيل) صح مباشرته التصرف لنفسه (بثمن مثل) فأكثر (حالا)، فلا يبيع نسيئة، ولا بغير نقد البلد، ولا بغبن فاحش، بأن لا يحتمل غالبا، فبيع ما يساوي عشرة بتسعة: محتمل، وبثمانية: غير محتمل. ومتى خالف شيئا مما ذكر فسد تصرفه، وضمن قيمته يوم التسليم، ولو مثليا، إن أقبض المشتري، فإن بقي: استرده، وله حينئذ بيعه بالاذن السابق، وقبض الثمن، ولا يضمنه. وإن تلف، غرم الموكل بدله الوكيل أو المشتري والقرار عليه. وهذا كله، (إذا أطلق الموكل) الوكالة في البيع، بأن لم يقيد بثمن، ولا حلول، ولا تأجيل، ولا نقد، وإن قيد بشئ، اتبع. { فرع }: لو قال لوكيله بعه بكم شئت، فله بيعه بغبن فاحش، لا بنسيئة، ولا بغير نقد البلد، أو بما شئت، أو بما تراه، فله بيعه بغير نقد البلد، لا بغبن، ولا بنسيئة، أو بكيف شئت فله بيعة بنسيئة، لا بغبن، ولا بغير نقد البلد، أو بما عز وهان، فله بيعه بعرض وغبن، لا بنسيئة
(ولا يبيع) الوكيل لنفسه وموليه، وإن أذن له في ذلك، وقدر له بالثمن، خلافا لابن الرفعة، لامتناع اتحاد الموجب والقابل، وإن انتفت التهمة، بخلاف أبيه وولده الرشيد، ولا يصح البيع بثمن المثل مع وجود راغب بزيادة لا يتغابن بمثلها إن وثق به، قال الاذرعي: ولم يكن مماطلا، ولا ماله أو كسبه حراما، أي هو كله، أو أكثره، فإن وجد راغب بالزيادة في ثمن خيار المجلس أو الشرط ولو للمشتري وحده ولم يرض بالزيادة فسخ الوكيل العقد، وجوبا، بالبيع، للراغب بالزيادة، وإلا انفسخ بنفسه ولا يسلم الوكيل بالبيع بحال المبيع حتى يقبض الثمن الحال، وإلا ضمن للموكل قيمة البيع، ولو مثليا
(وليس له) أي للوكيل بالشراء (شراء معيب) لاقتضاء الاطلاق عرفا السليم (ووقع) الشراء (له) أي للوكيل (إن علم) العيب واشتراه بثمن في الذمة، وإن ساوى المبيع الثمن إلا إذا عينه الموكل، وعلم بعيبه، فيقع له، كما إذا اشتراه بثمن في الذمة، أو بعين ماله جاهلا بعيبه، وإن لم يساو المبيع الثمن، وعلم مما مر أنه حيث لم يقع للموكل، فإن كان الثمن عين ماله، بطل الشراء، وإلا وقع للوكيل. ويجوز لعامل القراض شراؤه، لان القصد ثم الربح، وقضيته أنه لو كان القصد هنا الربح جاز، وهو كذلك، ولكل من الموكل والوكيل، في صورة الجهل، رد بعيب، لا لوكيل إن رضي به موكل. ولو دفع موكله إليه مالا للشراء، وأمره بتسليمه في الثمن، فسلم من عنده، فمتبرع، حتى ولو تعذر مال الموكل، لنحو غيبة مفتاح، إذ يمكنه الاشهاد على أنه أدى عنه ليرجع أو إخبار الحاكم بذلك، فإن لم يدفع له شيئا، أو لم يأمره بالتسليم فيه، رجع للقرينة الدالة على إذنه له في التسليم عنه
(ولا) له (توكيل بلا إذن) من الموكل (فيما يتأتى منه) لانه لم يرض بغيره. نعم، لو وكله في قبض دين فقبضه، وأرسله مع أحد من عياله، لم يضمن كما قاله الجوري، قال شيخنا: والذي يظهر أن المراد بهم، أولاده ومماليكه، وزوجاته، بخلاف غيرهم، ومثله، إرسال نحو ما اشتراه له مع أحدهم، وخرج بقولي فيما يتأتى منه: ما لم يتأت منه، لكونه يتعسر عليه الاتيان به لكثرته، أو لكونه لا يحسنه، أو لا يليق به، فله التوكيل عن موكله، لا عن نفسه، وقضية التعليل المذكور امتناع التوكيل عند جهل الموكل بحاله. ولو طرأ له العجز لطرو نحو مرض أو سفر، لم يجز له أن يوكل، وإذا وكل الوكيل بإذن الموكل، فالثاني وكيل الموكل، فلا يعزله الوكيل. فإن قال الموكل، وكل عنك، ففعل، فالثاني وكيل الوكيل، لانه مقتضي الاذن، فينعزل بعزله
ويلزم الوكيل أن لا يوكل إلا أمينا، ما لم يعين له غيره مع علم الموكل بحاله، أو لم يقل له وكل من شئت، على الاوجه، كما لو قالت لوليها: زوجني ممن شئت، فله تزويجها من غير الكف ء أيضا، وقوله لوكيله في شئ، افعل فيه ما شئت، أو كل ما تفعله جائز، ليس إذنا في التوكيل. { فرع }: لو قال بع لشخص معين كزيد، لم بيع من غيره، ولو وكيل زيد، أو بشئ معين من المال، كالدينار، لم يبع بالدراهم، على المعتمد، أو في مكان معين، تعين، أو في زمان معين، كشهر كذا، أو يوم كذا، تعين ذلك، فلا يجوز قبله، ولا بعده، ولو في الطلاق، وإن لم يتعلق به غرض، عملا بالاذن، وفارق إذا جاء رأس الشهر فأمر زوجتي بيدك، ولم يرد التقييد برأسه، فله إيقاعه بعده، بخلاف طلقها يوم الجمعة، فإنه يقتضي حصر الفعل فيه، دون غيره، وليلة اليوم، مثله إن استوى الراغبون فيهما. ولو قال يوم الجمعة، أو العيد مثلا، تعين أول جمعة أو عيد يلقاه، وإنما يتعين المكان، إذا لم يقدر الثمن، أو نهاه عن غيره، وإلا جاز البيع في غيره
(وهو) أي الوكيل ولو بجعل (أمين) فلا يضمن ما تلف في يده بلا تعد، ويصدق بيمينه في دعوى التلف والرد على الموكل، لانه ائتمنه بخلاف الرد على غير الموكل كرسوله، فيصدق الرسول بيمينه، ولوكله بقضاء دين فقال قضيته، وأنكر المستحق دفعه إليه صدق المستحق بيمينه، لان الاصل عدم القضاء، فيحلف، ويطالب الموكل فقط. (فإن تعدى) كأن ركب الدابة ولبس الثوب تعديا: (ضمن) كسائر الامناء، ومن التعدي، أن يضيع منه المال ولا يدري كيف ضاع، أو وضعه بمحل ثم نسيه ولا ينعزل بتعديه بغير إتلاف الموكل فيه. ولو أرسل إلى بزاز ليأخذ منه ثوبا سوما فتلف في الطريق: ضمنه المرسل، لا الرسول. { فرع }: لو اختلفا في أصل الوكالة بعد التصرف، كوكلتني في كذا، فقال ما وكلتك. أو في صفتها، بأن قال وكلتني بالبيع نسيئة، أو بالشراء بعشرين، فقال: بل نقدا، أو بعشرة، صدق الموكل بيمينه في الكل لان الاصل معه
(وينعزل) الوكيل (بعزل أحدهما) أي بأن يعزل الوكيل نفسه، أو يعزله الموكل، سواء كان بلفظ العزل أم لا، كفسخت الوكالة، أو أبطلتها، أو أزلتها، وإن لم يعلم المعزول. (و) ينعزل أيضا، بخروج أحدهما عن أهلية التصرف (بموت، أو جنون) حصلا لاحدهما، وإن لم يعلم الآخر به، ولو قصرت مدة الجنون، وزوال ملك الموكل عما وكل فيه أو منفعته، كأن باع أو وقف أو آجر أو رهن أو زوج أمة
ولا يصدق الموكل (بعد تصرف) أي تصرف الوكيل في قوله كنت عزلته (إلا ببينة) يقيمها على العزل. قال الاسنوي: وصورته إذا أنكر الوكيل العزل، فإن وافقه على العزل لكن ادعى أنه بعد التصرف فهو كدعوى الزوج تقدم الرجعة على انقضاء العدة، وفيه تفصيل معروف، انتهى
ولو تصرف وكيل أو عامل بعد انعزاله جاهلا في عين مال موكله، بطل، وضمنها إن سلمها، أو في ذمته انعقد له
{ فروع }
: لو قال لمدينه إشتر لي عبدا بما في ذمتك، ففعل، صح للموكل، وبرئ المدين، وإن تلف، على الاوجه، ولو قال لمدينه: أنفق على اليتيم الفلاني كل يوم درهما من ديني الذي عليك، ففعل، صح، وبرئ على ما قاله بعضهم: يوافقه قول القاضي لو أمر مدينه أن يشتري له بدينه طعاما، ففعل، ودفع الثمن وقبض الطعام، فتلف في يده: برئ من الدين. ولو قال لوكيله: بع هذه ببلد كذا، واشتر لي بثمنها قنا، جاز له إيداعها في الطريق، أو المقصد، عند أمين، من حاكم فعيره، إذ العمل غير لازم له، ولا تغرير منه، بل المالك هو المخاطر بماله، ومن ثم لو باعها، لم يلزمه شراء القن، ولو اشتراه، لم يلزمه رده، بل له إيداعه عند من ذكر، وليس له رد الثمن، حيث لا قرينة قوية تدل على رده، كما استظهره شيخنا، لان المالك لم يأذن فيه فإن فعل فهو في ضمانه، حتى يصل لمالكه ومن ادعى أنه وكيل لقبض ما على زيد من عين أو دين، لم يلزمه الدفع إليه، إلا ببينة بوكالته. ولكن يجوز الدفع له إن صدقه في دعواه، أو ادعى أنه محتال به وصدقه، وجب الدفع له، لاعترافه بانتقال المال إليه، وإذا دفع إلى مدعي الوكالة فأنكر المستحق وحلف أنه لم يوكل، فإن كان المدفوع هينا، استردها إن بقيت، وإلا غرم من شاء منهما، ولا رجوع للغارم على الآخر، لانه مظلوم بزعمه، أو دينا، طالب الدافع فقط، أو إلى مدعي الحوالة فأنكر الدائن الحوالة وحلف، أخذ دينه ممن كان عليه ولا يرجع المؤدي على من دفع إليه، لانه اعترف بالملك له. قال الكمال الدميري، لو قال أنا وكيل في بيع أو نكاح وصدقه من يعامله، صح العقد، فلو قال بعد العقد لم يكن وكيلا: لم يلتفت إليه
(ويصح قراض: وهو) أن يعقد على مال يدفعه لغيره ليتجر فيه، على أن يكون الربح مشتركا بينهما (في نقد خالص مضروب) لانه عقد غرر، لعدم انضباط العمل والوثوق بالربح وإنما جوز: للحاجة، فاختص بما يروج غالبا، وهو النقد المضروب. ويجوز عليه، وإن أبطله السلطان، وخرج بالنقد، العرض، ولو فلوسا، وبالخالص، المغشوش وإن علم قدر غشه، أو استهلك، وجاز التعامل به. وبالمضروب التبر، وهو ذهب أو فضة لم يضرب، والحلي فلا يصح في شئ منها، وقيل يجوز على المغشوش إن استهلك غشه. وجزم به الجرجاني. وقيل إن راج. واختاره السبكي وغيره. وفي وجه ثالث في زوائد الرضة أنه يجوز على كل مثلي، وإنما يصح القراض (بصيغة) من إيجاب من جهة رب المال: كقارضتك، أو عاملتك في كذا، أو خذ هذه الدراهم واتجر فيها، أو بع، أو اشتر على أن الربح بيننا، وقبول فورا من جهة العامل لفظا، وقيل يكفي في صيغة الامر، كخذ هذه واتجر فيها القبول بالفعل، كما في الوكالة، وشرط المالك والعامل، كالموكل والوكيل، صحة مباشرتهما التصرف (مع شرط ربح لهما) أي للمالك والعامل، فلا يصح على أن لاحدهما الربح (ويشترط كونه) أي الربح (معلوما بالجزئية) كنصف، وثلث. ولو قال قارضتك على أن الربح بيننا، صح مناصفة، أو على أن لك ربع سدس العشر، صح، وإن لم يعلماه عند العقد، لسهولة معرفته، وهو جزء من مائتين وأربعين جزءا. ولو شرط لاحدهما عشرة، أو ربح صنف، كالرقيق، فسد القراض
(ولعامل في) عقد قراض (فاسد: أجرة مثل) وإن لم يكن ربح، لانه عمل طامعا في المسمى
ومن القراض الفاسد، على ما أفتي به شيخنا ابن زياد رحمه الله تعالى، ما اعتاده بعض الناس من دفع مال إلى آخر بشرط أن يرد له لكل عشرة اثني عشر إن ربح أو خسر، فلا يستحق العامل إلا أجرة المثل، وجميع الربح أو الخسران على المالك، ويده على المال يد أمانة. فإن قصر، بأن جاوز المكان الذي أذن له فيه، ضمن المال. انتهى. ولا أجرة للعامل في الفاسد إن شرط الربح كله للمالك لانه لم يطمع في شئ. ويتجه أنه لا يستحق شيئا أيضا إذا علم الفساد، وأنه لا أجرة له. ويصح تصرف العامل مع فساد القراض، لكي لا يحل له الاقدام عليه بعد علمه بالفساد. ويتصرف العامل، ولو بعرض، لمصلحة، لا بغبن فاحش، ولا بنسيئة، بلا إذن فيهما، ولا يسافر بالمال بلا إذن، وإن قرب السفر، وانتفى الخوف والموءنة، فيضمن به، ويأثم، ومع ذلك القراض باق على حاله، أما بالاذن، فيجوز، لكن لا يجوز ركوب في البحر إلا بنص عليه
(ولا يمون) أي لا ينفق منه على نفسه حضرا ولا سفرا، لان له نصيبا من الربح، فلا يستحق شيئا آخر، فلو شرط المؤنة في العقد، فسد
(وصدق) عامل بيمينه (في) دعوى (تلف) في كل المال أو بعضه، لانه مأمون، نعم، نص في البويطي، واعتمده جمع متقدمون، أنه لو أخذ ما لا يمكنه القيام به، فتلف بعضه ضمنه، لانه فرط بأخذه، ويطرد ذلك في الوكيل، والوديع، والوصي، ولو ادعى المالك بعد التلف أنه قرض، والعامل أنه قراض، حلف العامل، كما أفتى به ابن الصلاح، كالبغوي، لان الاصل عدم الضمان، خلافا لما رجحه الزركشي وغيره، من تصديق المالك، فإن أقاما بينة، قدمت بينة المالك، على الاوجه، لان معها زيادة علم. (و) في (عدم ربح)، أصلا (و) في (قدره) عملا بالاصل فيهما، (و) في (خسر) ممكن، لانه أمين. ولو قال ربحت كذا، ثم قال غلطت في الحساب، أو كذبت، لم يقبل، لانه أقر بحق لغيره فلم يقبل رجوعه عنه، ويقبل قوله بعد خسرت، إن احتمل، كأن عرض كساد. (و) في (رد) للمال على المالك، لانه ائتمنه كالمودع. ويصدق العامل أيضا في قدر رأس المال، لان الاصل عدم الزائد، وفي قوله اشتريت هذا لي أو للقراض والعقد في الذمة لانه أعلم بقصده، أما لو كان الشراء بعين مال القراض، فإنه يقع للقراض، وإن نوى نفسه، كما قاله الامام، وجزم به في المطلب. وعليه فتسمع بينة المالك أنه اشتراه بمال القراض. وفي قوله لم تنهني عن شراء كذا، لان الاصل عدم النهي، ولو اختلفا في القدر المشروط له، أهو النصف، أو الثلث، مثلا ؟ تحالف. وللعامل بعد الفسخ أجرة المثل، والربح جميعه للمالك، أو في أنه وكيل أو مقارض، صدق المالك بيمينه، ولا أجرة عليه للعامل
{ تتمة }
الشركة نوعان: أحدهما فيما ملك اثنان مشتركا بإرث أو شراء. والثاني أربعة أقسام: منها قسم صحيح، وهو أن يشترط اثنان في مال لهما ليتجرا فيه، وسائر الاقسام باطلة، كأن يشترك اثنان ليكون كسبهما بينهما بتساو، أو تفاوت، أو ليكون بينهما ربح ما يشتريانه في ذمتهما بمؤجل، أو حال، أو ليكون بينهما كسبهما وربحهما ببدنهما، أو مالهما، وعليهما ما يعرض من غرم، وشرط فيها لفظ يدل على الاذن في التصرف بالبيع والشراء، فلو اقتصر على اشتراكنا: لم يكف عن الاذن فيه ويتسلط كل واحد منهما على التصرف بلا ضرر أصلا، بأن يكون فيه مصلحة، فلا يبيع بثمن مثل وثم راغب بأزيد. ولا يسافر به حيث لم يضطر إليه لنحو قحط وخوف، ولا يبضعه بغير إذنه، فإن سافر به، ضمن، وصح تصرفه، أو أبضعه بدفعه لمن يعمل لهما فيه، ولو تبرعا بلا إذن، ضمن أيضا والربح والخسران بقدر المالين، فإن شرطا خلافه، فسد العقد، فلكل على الآخر أجرة عمله له، ونقد التصرف منهما مع ذلك للاذن، وتنفسخ بموت أحدهما وجنونه، ويصدق في دعوى الرد إلى شريكه في الخسران والتلف، في قوله اشتريته لي أو للشركة، لا في قوله اقتسمنا وصار ما بيدي لي مع قول الآخر: لا، بل هو مشترك، فالمصدق المنكر، لان الاصل عدم القسمة، ولو قبض وارث حصته من دين مورثه، شاركه الآخر ولو باع شريكان عبدهما صفقة، وقبض أحدهما حصته، لم يشاركه الآخر
{ فائدة }
أفتى النووي، كابن الصلاح، فيمن غصب نحو نقد أو بر وخلطه بماله، ولم يتميز، بأن له إفراز قدر المغصوب، ويحل له التصرف في الباقي
{ فصل في أحكام الشفعة }
إنما تثبت الشفعة لشريك لا جار في بيع أرض مع تابعها كبناء، وشجر وثمر غير مؤبر فلا شفعة في شجر أفرد بالبيع، أو بيع مع مغرسه فقط، ولا في بئر، ولا يملك الشفيع لا بلفظ، كأخذت بالشفعة مع بذل الثمن للمشتري
باب في الاجارة
هي لغة: اسم للاجرة، وشرعا، تمليك منفعة بعوض بشروط آتية. (تصح إجارة بإيجاب، كآجرتك) هذا، أو أكريتك، أو ملكتك منافعه سنة: (بكذا، وقبول، كاستأجرته)، واكتريت، وقبلت. قال النووي في شرح المهذب، إن خلاف المعاطاة يجري في الاجارة والرهن والهبة، وإنما تصح الاجارة، (بأجر) صح كونه ثمنا (معلوم) للعاقدين، قدرا، وجنسا، وصفة، إن كان في الذمة، وإلا كفت معاينته في إجارة العين أو الذمة، فلا يصح إجارة دار ودابة بعمارة لها وعلف، ولا استئجار لسلخ شاة بجلد، ولطحن نحو بر ببعض دقيق (في منفعة متقومة) أي لها قيمة (معلومة)، عينا، وقدرا، وصفة (واقعة للمكتري غير متضمن، لاستيفاء عين قصدا) بأن لا يتضمنه العقد
وخرج بمتقومة ما ليس لها قيمة، فلا يصح اكتراء بياع للتلفظ بمحض كلمة أو كلمات يسيرة على الاوجه، ولو إيجابا وقبولا، وإن روجت السلعة، إذ لا قيمة لها. ومن ثم اختص هذا بمبيع مستقر القيمة في البلد، كالخبز، بخلاف نحو عبد وثوب مما يختلف ثمنه باختلاف متعاطيه، فيختص بيعه، من البياع بمزيد نفع، فيصح استئجاره عليه. وحيث لم يصح، فإن تعب بكثرة تردد أو كلام، فله أجرة المثل، وإلا فلا
وأفتى شيخنا المحقق ابن زياد بحرمة أخذ القاضي الاجرة على مجرد تليقن الايجاب، إذ لا كلفة في ذلك، وسبقة العلامة عمر الفتى، بالافتاء بالجواز إن لم يكن ولي المرأة فقال إذا لقن الولي والزوج صيغة النكاح، فله أن يأخذ ما اتفقا عليه بالرضا، وإن كثر، وإن لم يكن لها ولي غيره فليس له أخذ شئ على إيجاب النكاح، لوجوبه عليه حينئذ، انتهى. وفيه نظر لما تقرر آنفا
ولا استئجار دراهم ودنانير غير المعراة للتزين، لان منفعة نحو التزيين بها لا تقابل بمال، وأما المعراة: فيصح استئجارها، على ما بحثه الاذرعي لانها حينئذ حلى، واستئجار الحلى صحيح قطعا
وبمعلومة، استئجار المجهول، فأجرتك إحدى الدارين باطل
وبواقعة للمكتري، ما يقع نفعها للاجير، فلا يصح الاستئجار لعبادة تجب فيها نية غير نسك، كالصلاة، لان المنعة في ذلك للاجير لا المستأجر والامامة، ولو نقل كالتراويح، لان الامام مصل لنفسه، فمن أراد، اقتدي به، وإن لم ينو الامامة أما ما لا يحتاج إلى نية، كالاذان والاقامة فيصح الاستئجار عليه، والاجرة مقابلة لجميعه، مع نحو رعاية الوقت، وتجهيز الميت، وتعليم القرآن كله أو بعضه، وإن تعين على المعلم، للخبر الصحيح: إن أحق ما أخذتم عليه أجرا: كتاب الله
قال شيخنا في شرح المنهاج
: يصح الاستئجار لقراءة القرآن عند القبر أو مع الدعاء بمثل ما حصل له من الاجر له أو لغيره عقبها، عين زمانا أو مكانا أو لا، ونية الثواب له غير دعاء لغو، خلافا لجمع، وإن اختار السبكي ما قالوه، وكذا أهديت قراءتي أو ثوابها له خلافا لجمع أيضا، أو بحضرة المستأجر، أي أو نحو ولده، فيما يظهر، ومع ذكره في القلب حالتها، كما ذكره بعضهم، وذلك لان موضعها موضع بركة وتنزل رحمة، والدعاء بعدها أقرب إجابة، وإحضار المستأجر في القلب سبب لشمول الرحمة له إذا نزلت على قلب القارئ، وألحق بها الاستئجار لمحض الذكر، والدعاء عقبه، وأفتى بعضهم، بأنه لو ترك من القراءة المستأجر عليها آيات، لزمه قراءة ما تركه، ولا يلزمه استئناف ما بعده. وبأن من استوءجر لقراءة على قبر، لا يلزمه عند الشروع أن ينوي أن ذلك عما استؤجر عنه، أي بل الشرط عدم الصارف فإن قلت: صرحوا في النذر بأنه لا بد أن ينوي أنها عنه. قلت: هنا قرينة صارفة لوقوعها عما استؤجر له، ولا كذلك ثم، ومن ثم لو استؤجر هنا لمطلق القراءة وصححناه: احتاج للنية فيما يظهر أولا لمطلقها، كالقراءة بحضرته لم يحتج لها، فذكر القبر مثال، انتهى ملخصا
وبغير متضمن لاستيفاء عين ما تضمن استيفاءها، فلا يصح اكتراء بستان لثمرته، لان الاعيان لا تملك بعقد الاجارة قصدا، ونقل التاج السبكي في توشيحه اختيار والده التقي السبكي في آخر عمره، صحة إجارة الاشجار لثمرها، وصرحوا بصحة استئجار قناة أو بئر للانتفاع بمائها للحاجة. قال في العباب: لا يجوز إجارة الارض لدفن الميت لحرمة نبشه قبل بلائه، وجهالة وقت البلى
(و) يجب (على مكر تسليم مفتاح دار) لمكتر، ولو ضاع من المكتري، وجب على المكري تجديده. والمراد بالمفتاح، مفتاح الغلق المثبت. أما غيره، فلا يجب تسليمه، بل ولا قفله، كسائر المنقولات. (وعمارتها)، كبناء وتطيين سطح، ووضع باب، وإصلاح منكسر. وليس المراد بكون ما ذكر واجبا على المكري أنه يأثم بتركه، أو أنه يجبر عليه، بل إنه إن تركه، ثبت للمكتري الخيار، كما بينته بقولي: (فإن بادر) وفعل ما عليه، فذاك (وإلا فللمكتري خيار) إن نقصته المنفعة، (وعلى مكتر. تنظيف عرصتها) أي الدار، (من كناسة)، وثلج، والعرصة: كل بقعة بين الدور واسعة ليس فيها شئ من بناء، وجمعها: عرصات
(وهو) أي المكتري (أمين) على العين المكتراة (مدة الاجارة) إن قدرت بزمن، أو مدة إمكان الاستيفاء إن قدرت بمحل عمل، (وكذا بعدها) ما لم يستعملها، استصحابا لما كان، ولانه لا يلزمه الرد ولا مؤنته، بل لو شرط أحدهما عليه، فسد العقد. وإنما الذي عليه، التخلية، كالوديع، ورجح السبكي أنه كالامانة الشرعية، فيلزمه إعلام مالكها بها أو الرد فورا، وإلا ضمن. والمعتمد خلافه. وإذا قلنا بالاصح أنه ليس عليه إلا التخلية، فقضيته أنه لا يلزم إعلام المؤجر بتفريغ العين، بل الشرط أن لا يستعملها، ولا يحبسها لو طلبها. وحينئذ يلزم من ذلك أنه لا فرق بين أن يقفل باب نحو الحانوت بعد تفريغه أو لا. لكن قال البغوي: لو استأجر حانوتا شهرا، فأغلق بابه، وغاب شهرين، لزمه المسمى للشهر الاول، وأجرة المثل للشهر الثاني. قال شيخنا في شرح المنهاج: وما ذكره البغوي، في مسألة الغيبة، متجه، ولو استعمل العين بعد المدة لزمه أجرة المثل
(كأجير) فإنه أمين، ولو بعد المدة أيضا، (فلا ضمان على واحد منهما) فلو اكترى دابة، ولم ينتفع بها فتلفت، أو اكتراه لخياطة ثوب أو صبغه فتلف، فلا يضمن، سواء انفرد الاجير باليد أم لا، كأن قعد المكتري معه حتى يعمل، أو أحضره منزله ليعمل
(إلا بتقصير) كأن ترك المكتري الانتفاع بالدابة فتلفت بسبب، كانهدام سقف اصطبلها عليها في وقت لو انتفع بها فيه عادة سلمت، وكأن ضربها، أو أركبها أثقل منه. ولا يضمن أجير لحفظ دكان مثلا إذا أخذ غيره ما فيها
قال الزركشي
: إنه لا ضمان أيضا على الخفير
وكأن استأجره ليرعى دابته فأعطاها آخر يرعاها فيضمنها كل منهما، والقرار على من تلفت بيده. وكأن أسرف خباز في الوقود، أو مات المتعلم من ضرب المعلم، فإنه يضمن، ويصدق الاجير في أنه لم يقصر، ما لم يشهد خبيران بخلافه
ولو اكترى دابة ليركبها اليوم ويرجع غدا، فأقام بها ورجع في الثالث، ضمنها فيه فقط، لانه استعملها فيه تعديا
ولو اكترى عبدا لعمل معلوم، ولم يبين موضعه، فذهب به من بلد العقد إلى آخر، فأبق: ضمنه مع الاجرة
{ فرع }
: يجوز لنحو القصار حبس الثوب، كرهنه، بأجرته حتى يستوفيها
(ولا أجرة) لعمل: كحلق رأس، وخياطة ثوب، وقصارته، وصبغه بصبغ مالكه (بلا شرط) الاجرة. فلو دفع ثوبه إلى خياط ليخيط، أو قصار ليقصره، أو صباغ ليصبغه، ففعل، ولم يذكر أحدهما أجرة، ولا ما يفهمها، فلا أجرة له، لانه متبرع
قال في البحر
: ولانه لو قال اسكني دارك شهرا، فأسكنه، لا يستحق عليه أجرة إجماعا، وإن عرف بذلك العمل بها، لعدم التزامها
ولا يستثنى وجوبها على داخل حمام، أو راكب سفينة مثلا بلا إذن، لاستيفائه المنفعة من غير أن يصرفها صاحبها إليه بخلافه بإذنه. أما إذا ذكر أجرة، فيستحقها قطعا إن صح العقد، وإلا فأجرة المثل. وأما إذا عرض بها، كأرضيك، أو لا أخيبك، أو ترى ما يسرك، فيجب أجرة المثل
(وتقررت) أي الاجرة التي سميت في العقد (عليه) أي المكتري (بمضي مدة) في الاجارة المقدرة بوقت أو مضي مدة إمكان الاستيفاء في المقدرة بعمل (وإن لم يستوف) المستأجر المنفعة، لان المنافع تلفت تحت يده، وإن ترك لنحو مريض، أو خوف طريق، إذ ليس على المكري إلا التمكين من الاستيفاء، وليس له، بسبب ذلك، فسخ ولا رد إلى تيسير العمل
(وتنفسخ) الاجارة (بتلف مستوفى منه معين) في العقد، كموت نحو دابة وأجير معينين، وانهدام دار، ولو بفعل المستأجر (في) زمان (مستقبل) لفوات محل المنفعة فيه، لا في ماض بعد القبض إذا كان لمثله أجرة، لاستقراره. بالقبض، فيستقر قسطه من المسمى باعتبار أجرة المثل، وخرج بالمستوفى منه، غيره مما يأتي وبالمعين في العقد، المعين عما في الذمة، فإن تلفهما: لا يوجب انفساخا، يل يبدلان، ويثبت الخيار على التراخي، على المعتمد، بعيب نحو الدابة المقارن إذا جهله، والحادث لتضرره، وهو ما أثر في المنفعة تأثيرا يظهر به تفاوت أجرتها، ولا خيار في إجارة الذمة بعيب الدابة، بل يلزمه الابدال
ويجوز في إجارة عين وذمة استبدال المستوفي، كالراكب، والساكن، والمستوفى به كالمحمول، والمستوفى فيه كالطريق بمثلها، أو بدون مثلها، ما لم يشترط عدم الابدال في الآخرين. { فرع }: لو استأجر ثوبا للبس المطلق، لا يلبسه وقت النوم ليلا، وإن اطردت عادتهم بذلك، ويجوز لمستأجر الدابة مثلا منع المؤجر من حمل شئ عليها
{ فائدة }
: قال شيخنا: إن الطبيب الماهر، أي بأن كان خطوه نادرا، لو شرطت له أجرة، وأعطي ثمن الادوية، فعالجه بها، فلم يبرأ، استحق المسمى، إن صحت الاجارة، وإلا فأجرة المثل. وليس للعليل الرجوع عليه بشئ، لان المستأجر عليه المعالجة لا الشفاء، بل إن شرط، بطلت الاجارة، لانه بيد الله تعالى لا غير. أما غير الماهر، فلا يستحق أجرة ويرجع عليه بثمن الادوية، لتقصيره بمباشرته بما ليس له بأهل
ولو اختلفا: أي المكري والمكتري (في أجرة أو مدة) أو قدر منفعة، هل هي عشرة فراسخ، أو خمسة ؟ أو في قدر المستأجر: هل هو كل الدار، أو بيت منها ؟ (تحالفا، وفسخت)، أي الاجارة، ووجب على المكتري أجرة المثل لما استوفاه. { فرع }: لو وجد المحمول على الدابة مثلا ناقصا نقصا يؤثر، وقد كاله المؤجر، حط قسطه من الاجرة، إن كانت الاجارة في الذمة وإلا لم يحط شئ من الاجرة. ولو استأجر سفينة فدخلها سمك، فهل هو له، أو للمؤجر ؟ وجهان
{ تتمة }
: تجوز المساقاة وهي أن يعامل المالك غيره على نخل أو شجر عنب مغروس معين في العقد مرئي لهما عنده ليتعهده بالسقي والتربية، على أن الثمرة الحادثة أو الموجودة لهما. وإلا تجوز في غير نخل وعنب لا تبعا لهما. وجوزها القديم في سائر الاشجار، وبه قال مالك وأحمد، واختاره جمع من أصحابنا، ولو ساقاه على ودي غير مغروس ليغرسه ويكون الشجر أو ثمرته إذا أثمر لهما، لم تجز، لكن قضية كلام جمع من السلف، جوازها، والشجر لمالكه، وعليه لذي الارض أجرة مثلها
{ والمزارعة }
: هي أن يعامل المالك غيره على أرض ليزرعها بجزء معلوم مما يخرج منها، والبذر من المالك، فإن كان البذر من العامل، فهي مخابرة، وهما باطلان، للنهي عنهما، واختار السبكي، كجمع آخرين، جوازهما، واستدلوا بعمل عمر رضي الله عنه وأهل المدية، وعلى المرجح، فلو أفردت الارض بالمزارعة، فالمغل للمالك، وعليه للعامل أجرة عمله ودوابه وآلاته، وإن أفردت الارض بالمخابرة، فالمغل للعامل، وعليه لمالك الارض أجرة مثلها
وطريق جعل الغلة لهما ولا أجرة أن يكتري العامل نصف الارض بنصف البذر ونصف عمله ونصف منافع آلاته، أو بنصف البذر ويتبرع بالعمل والمنافع إن كان البذر منه، فإن كان من المالك استأجرة بنصف البذر ليزرع له النصف الآخر من البذر في نصف الارض، ويعيره نصفها
باب في العارية
بتشديد الياء وتخفيفها: وهي اسم لما يعار للعقد المتضمن لاباحة الانتفاع بما يحل الانتفاع به مع بقاء عينه ليرده. من عار: ذهب، وجاء بسرعة، لا من العار. وهي مستحبة أصالة لشدة الحاجة إليها، وقد تجب، كإعارة ثوب توقفت صحة الصلاة عليه، وما ينقذ غريقا، أو يذبح به حيون محترم يخشى موته
(صح) من ذي تبرع. (إعارة عن) غير مستعارة (لانتفاع) مع بقاء عينه (مملوك) ذلك الانتفاع، ولو بوصية أو إجارة أو وقف، وإن لم يملك العين، لان العارية ترد على المنفعة فقط. وقيد ابن الرفعة صحتها من الموقوف عليه، بما إذا كان ناظرا. قال الاسنوي: يجوز للامام إعارة مال بيت المال (مباح) فلا يصح إعارة ما يحرم الانتفاع به كآلة لهو، وفرس، وسلاح لحربي، وكأمة مشتهاة لخدمة أجنبي، وإنما تصح الاعارة من أهل تبرع. (بلفظ يشعر بإذن فيه) أي الانتفاع
(كأعرتك، وأبحتك) منفعة، وكاركب، وخذه لتنتفع به. ويكفي لفظ أحدهما مع فعل الآخر. ولا يجوز لمستعير إعارة عين مستعارة بلا إذن معير، وله إنابة من يستوفي المنفعة له، كأن يركب دابة استعارها للركوب من هو مثله أو دونه لحاجته
ولا يصح إعارة ما لا ينتفع به مع بقاء عينه، كالشمع للوقود، لاستهلاكه. ومن ثم، صحت للتزين به، كالنقد، وحيث لم تصح العارية فجرت، ضمنت، لان للفاسد حكم صحيحه، وقيل لا ضمان، لان ما جرى بينهما ليس بعارية صحيحة، ولا فاسدة
ولو قال احفر في أرضي بئرا لنفسك، فحفر، لم يملكها، ولا أجرة له على الآمر، فإن قال أمرتني بأجرة، فقال مجانا، صدق الآمر، ووارثه
ولو أرسل صبيا ليستعير له شيئا، لم يصح، فلو تلف في يده، أو أتلفه لم يضمنه هو، ولا مرسله، كذا في الجواهر
(و) يجب (على مستعير ضمان قيمة يوم تلف) للمعار إن تلف كله أو بعضه في يده، ولو بآفة من غير تقصير، بدلا أو أرشا، وإن شرطا عدم ضمانه، لخبر أبي داود وغيره: العارية مضمونة، أي بالقيمة، يوم التلف، لا يوم القبض في المتقوم، وبالمثل في المثلي على الاوجه. وجزم في الانوار بلزوم القيمة، ولو في المثلي: كخشب، وحجر
وشرط التلف المضمن، أن يحصل (لا باستعمال)، وإن حصل معه، فإن تلف هو، أو جزؤه باستعمال مأذون فيه: كركوب، أو حمل، أو لبس اعتيد، فلا ضمان للاذن فيه، وكذا لا ضمان على مستعير من نحو مستأجر إجارة صحيحة، فلا ضمان عليه، لانه نائب عنه، وهو لا يضمن، فكذا هو. وفي معنى المستأجر، الموصى له بالمنفعة، والموقوف عليه، وكذا مستعار لرهن تلف في يد مرتهن لا ضمان عليه، كالراهن، وكتاب موقوف على المسلمين مثلا استعاره فقيه فتلف في يده من غير تفريط، لانه من جملة الموقوف عليهم
{ فرع }
: لو اختلفا في أن التلف بالاستعمال المأذون فيه، أو بغيره: صدق المعير، كما قاله الجلال البلقيني، لان الاصل في العارية، الضمان، حتى يثبت مسقطه
(و) يجب (عليه) أي على المستعير (مؤنة رد) للمعار على المالك، وخرج بمؤنة الرد، مؤنة المعار، فتلزم المالك، لانها من حقوق الملك. وخالف القاضي، فقال إنها على المستعير
(و) جاز (لكل) من المعير والمستعير (رجوع) في العارية، مطلقة كانت أو مؤقتة، حتى في الاعارة لدفن ميت قبل مواراته بالتراب، ولو بعد وضعه في القبر، لا بعد المواراة، حتى يبلى
ولا رجوع لمستعير حيث تلزمه الاستعارة، كإسكان معتدة، ولا لمعير في سفينة صارت في اللجة وفيها متاع المستعير. وبحث ابن الرفعة أن له الاجرة. ولا في جذع لدعم جدار مائل بعد استناده، وله الاجرة من الرجوع
ولو استعار للبناء أو الغراس، لم يجز له ذلك إلا مرة واحدة. فلو قلع ما بناه أو غرسه، لم يجز له إعادة إلا بإذن جديد، إلا إذا صرح له بالتجديد مرة أخرى
{ فروع }
: لو اختلف مالك عين والمتصرف فيه، كأن قال المتصرف أعرتني، فقال المالك بل آجرتك بكذا. صدق المتصرف بيمينه، إن بقيت العين، ولم يمض مدة لها أجرة، وإلا حلف المالك واستحقها
كما لو أكل طعام غيره وقال كنت أبحت لي، وأنكر المالك، أو عكسه، بأن قال المتصرف آجرتني بكذا، وقال المالك بل أعرتك والعين باقية، صدق المالك بيمينه
ولو أعطى رجلا حانوتا ودراهم، أو أرضا وبذرا، وقال اتجر، أو ازرعه فيها لنفسك، فالعقار عارية، وغيره قرض، على الاوجه، لا هبة خلافا لبعضهم، ويصدق في قصده
ولو أخذ كوزا من سقاء ليشرب منه، فوقع من يده وانكسر قبل شربه أو بعده، فإن طلبه مجانا، ضمنه، دون الماء، أو بعوض والماء قدر كفايته، فعكسه
ولو استعار حليا، وألبسه بنته الصغيرة، ثم أمر غيره بحفظه في بيته، ففعل، فسرق غرم المالك المستعير، ويرجع على الثاني، إن علم أنه عارية، وإن لم يكن يعلم أنه عارية، بل ظنه للآمر، لم يضمن
ومن سكن دارا مدة بإذن مالك أهل، ولم يذكر له أجرة، لم تلزمه
{ مهمة }
قال العبادي وغيره في كتاب مستعار رأى فيه خطأ لا يصلحه إلا المصحف فيجب. قال شيخنا: والذي يتجه أن المملوك غير المصحف لا يصلح فيه شئ، إلا إن ظن رضا مالكه به، وأنه يجب إصلاح المصحف، لكن إن لم ينقصه خطه، لرداءته، وأن الوقف يجب إصلاحه، إن تيقن الخطأ فيه
{ فصل في بيان أحكام الغصب }
الغصب استيلاء على حق غير، ولو منفعة، كإقامة من قعد بمسجد أو سوق بلا حق، كجلوسه على فراش غيره، وإن لم ينقله، وإزعاجه عن داره، وإن لم يدخلها، وكركوب دابة غيره، واستخدام عبده. (وعلى الغاصب: رد وضمان متمول تلف بأقصى قيمه من حين غصب إلى تلف
ويضمن) مثلي، وهو ما حصره كيل، أو وزن. وجاز السلم فيه كقطن، ودقيق، وماء ومسك، ونحاس ودراهم ودنانير، ولو مغشوشا، وتمر، وزبيب، وحب جاف، ودهن، وسمن (بمثله) في أي مكان حل به المثلي، فإن فقد المثل، فيضمن بأقصى قيم من غصب إلى فقد. ولو تلف المثلي: فله مطالبته بمثله في غير المكان الذي حل به المثلي، إن لم يكن لنقله مؤنة، وأمن الطريق وإلا فبأقصى قيم المكان. ويضمن متقوم أتلف، كالمنافع والحيوان، بالقيمة. ويجوز أخذ القيمة عن المثلي بالتراضي. وإذا أخذ منه القيمة، فاجتمعا ببلد التلف، لم يرجعا إلى المثل، وحيث وجب مثل، فلا أثر لغلاء، أو رخص
{ فروع }
لوحل رباط سفينة فغرقت بسببه ضمنها، أو بحادث ريح، فلا. وكذا إن لم يظهر سبب، ولو حل وثاق بهيمة، أو عبد لا يميز، أو فتح قفصا عن طير، فخرجوا، ضمن إن كان بتهييجه وتنفيره. وكذا إن اقتصر على الفتح، إن كان الخروج حالا لا عبدا عاقلا حل قيده فأبق، ولو معتادا للاباق. ولو ضرب ظالم عبد غيره فأبق، لم يضمن. ويبرأ الغاصب برد العين إلى المالك، ويكفي وضعها عنده ولو نسيه برئ بالرد إلى القاضي. ولو خلط مثليا أو متقوما بما لا يتميز: كدهن، أو حب، وكذا درهم، على الاوجه، بجنسه، أو غيره، وتعذر التمييز، صار هالكا، لا مشتركا فيملكه الغاصب، لكن الاوجه أنه محجور عليه في التصرف فيه حتى يعطى بدله
باب في الهبة
أي مطلقها: الشامل للصدقة والهدية. (الهبة: تمليك عين) يصح بيعها غالبا، أو دين من أهل تبرع، (بلا عوض). واحترز بقولنا بلا عوض، عن البيع والهبة بثواب، فإنها بيع حقيقة (بإيجاب: كوهبتك) هذا، وملكتكه، ومنحتكه. (وقبول) متصل به، (كقبلت) ورضيت وتنعقد بالكتابة: كلك هذا، أو كسوتك هذا. وبالمعاطاة على المختار
قال شيخنا في شرح المنهاج
: وقد لا تشترط الصيغة، كما لو كانت ضمنية، كأعتق عبدك عني، فأعتقه، وإن لم يقل مجانا، وكما لو زين ولده الصغير بحلى، بخلاف زوجته، لانه قادر على تمليكه بتولي الطرفين. قاله القفال، وأقره جمع، لكن اعترض بأن كلام الشيخين يخالفه، حيث اشترطا في هبة الاصل، تولي الطرفين بإيجاب وقبول. وهبة ولي غيره أن يقبلها الحاكم أو نائبه
ونقلوا عن العبادي وأقره: أنه لو غرس أشجارا، وقال عند الغرس أغرسها لابني مثلا، لم يكن إقرارا، بخلاف ما لو قال لعين في يده اشتريتها لابني، أو لفلان الاجنبي، فإنه إقرار. ولو قال جعلت هذا لابني، لم يملكه إلا إن قبض له، وضعف السبكي والاذرعي وغيرهما قول الخوارزمي وغيره، أن إلباس الاب الصغير حليا يملكه إياه
ونقل جماعة عن فتاوى القفال نفسه أنه لو جهز بنته مع أمتعة بلا تمليك، يصدق بيمينه في أنه لم يملكها، إن ادعته، وهذا صريح في رد ما سبق عنه، وأفتى القاضي فيمن بعث بنته وجهازها إلى دار الزوج، بأنه إن قال هذا جهاز بنتي، فهو مالك لها، وإلا فهو عارية، ويصدق بيمينه. وكخلع الملوك، لاعتياد عدم اللفظ فيها، انتهى
ونقل شيخنا ابن زياد عن فتاوى ابن الخياط: إذا أهدى الزوج للزوجة بعد العقد بسببه، فإنها تملكه، ولا يحتاج إلى إيجاب وقبول ومن ذلك، ما يدفعه الرجل إلى المرأة صبح الزواج مما يسمى صبحية في عرفنا، وما يدفعه إليها إذا غضبت، أو تزوج عليها، فإن ذلك تملكه المرأة بمجرد الدفع إليها. انتهى
ولا يشترط الايجاب والقبول قطعا في الصدقة، وهي ما أعطاه محتاجا، وإن لم يقصد الثواب أو غنيا لاجل ثواب الآخرة، بل يكفي فيها الاعطاء والاخذ ولا في الهدية ولو غير مأكول، وهي ما نقله إلى مكان الموهوب له إكراما، بل يكفي فيها البعث من هذا، والقبض من ذاك، وكلها مسنونة، وأفضلها الصدقة
وأما كتاب الرسالة الذي لم تدل قرينة على عوده، فقد قال المتولي إنه ملك المكتوب إليه، وقال غيره: هو باق بملك الكاتب، وللمكتوب إليه الانتفاع به على سبيل الاباحة
وتصح الهبة باللفظ المذكور: (بلا تعليق)، فلا تصح مع تعليق كإذا جاء رأس الشهر فقد وهبتك، أو أبرأتك، ولا مع تأقيت بغير عمرى ورقبى فإن أقت الواهب الهبة بعمر المتهب، كوهبت لك هذا عمرعك، أو ما عشت، صحت، وإن لم يقل فإذا مت فهي لورثتك، وكذا إن شرط عودها إلى الواهب أو وارثه بعد موت المتهب فلا تعود إليه ولا إلى وارثه للخبر الصحيح، وتصح ويلغو الشرط. فإذا أقت بعمر الواهب أو الاجنبي، كأعمرتك هذا عمري، أو عمر فلان. لم تصح
ولو قال لغيره أنت في حل مما تأخذ أو تعطي أو تأكل من مالي، فله الاكل فقط، لانه إباحة، وهي تصح بمجهول، بخلاف الاخذ والاعطاء، قاله العبادي، ولو قال وهبت لك جميع ما لي، أو نصف ما لي، صحت إن كان المال أو نصفه معلوما لهما، وإلا فلا
وفي الانوار
: لو قال أبحت لك ما في داري، أو ما في كرمي، من العنب، فله أكله دون بيعه، وحمله، وإطعامه لغيره، وتقتصر الاباحة على الموجود، أي عندها في الدار أو الكرم. ولو قال أبحت لك جميع ما في داري أكلا واستعمالا، ولم يعلم المبيح الجميع، لم تحصل الاباحة. اه. وجزم بعضهم أن الاباحة لا ترتد بالرد
وشرط الموهوب كونه عينا يصح بيعها، فلا تصح هبة المجهول كبيعه، وقد مر آنفا بيانه، بخلاف هديته وصدقته، فتصحان، فيما استظهره شيخنا
وتصح هبة المشاع، كبيعه، ولو قبل القسمة: سواء وهبه للشريك أو غيره
وقد تصح الهبة دون البيع، كهبة حبتي بر ونحوهما من المحقرات، وجلد نجس، على تناقض فيه في الروضة، وكذا دهن متنجس
(وتلزم) أي الهبة بأنواعها الثلاثة: (بقبض)، فلا تلزم بالعقد، بل بالقبض على الجديد، لخبر أنه صلي الله عليه وسلم أهدى للنجاشي ثلاثين أوقية مسكا، فمات قبل أن يصل إليه، فقسمه صلي الله عليه وسلم بين نسائه، ويقاس بالهدية. الباقي
وإنما يعتد بالقبض إن كان بإقباض الواهب أو بإذنه أو إذن وكيله فيه، ويحتاج إلى إذنه فيه وإن كان الموهوب في يد المتهب. ولا يكفي هنا الوضع بين يدي المتهب بلا إذن فيه، لان قبضه غير مستحق له، فاعتبر تحققه، بخلافه في المبيع، فلو مات أحدهما قبل القبض، قام مقامه وارثه في القبض والاقباض
ولو قبضه فقال الواهب رجعت عن الاذن قبله، وقال المتهب بعد صدق الواهب على ما استظهره الاذرعي، لكن ميل شيخنا إلى تصديق المتهب، لان الاصل عدم الرجوع قبله، وهو قريب
ويكفي الاقرار بالقبض، كأن قيل له وهبت كذا من فلان وأقبضته، فقال نعم، وأما الاقرار، أو الشهادة بمجرد الهبة. فلا يستلزم القبض. نعم، يكفي عنه قول الواهب ملكها المتهب ملكا لازما. قال بعضهم: وليس للحاكم سؤال الشاهد عنه، لئلا يتنبه له
(ولاصل) ذكر أو أنثى من جهة الاب أو الام وإن علا (رجوع فيما وهب)، أو تصدق، أو أهدى، لا فيما أبرأ (لفرع) وإن سفل، إن بقي الموهوب (في سلطنتة بلا استهلاك) وإن غرس الارض، أو بنى فيها، أو تخلل عصير موهوب، أو آجره، أو علق عتقه، أو رهنه، أو وهبه بلا قبض فيهما لبقائه في سلطنته، فلا رجوع إن زال ملكه بهبة مع قبض، وإن كانت الهبة من الابن لابنه أو لاخيه لابيه، أو ببيع، ولو من الواهب، على الاوجه، أو بوقف. ويمتنع الرجوع بزوال الملك، وإن عاد إليه، ولو بإقالة أو رد بعيب، لان الملك غير مستفاد منه حينئذ
ولو وهبه الفرع لفرعه وأقبضه ثم رجع فيه: ففي رجوع الاب وجهان، والاوجه منهما: عدم الرجوع، لزوال ملكه، ثم عوده، ويمتنع أيضا إن تعلق به حق لازم، كأن رهنه لغير أصل وأقبضه ولم ينفك، وكذا إن استهلك، كأن تفرخ البيض، أو نبت الحب، لان الموهوب صار مستهلكا
ويحصل الرجوع (بنحو رجعت) في الهبة، كنقضتها، أو أبطلتها، أو رددت الموهوب إلى ملكي. وكذا بكناية، كأخذته، وقبضته، مع النية، لا بنحو بيع وإعتاق وهبة لغيره ووقف، لكمال ملك الفرع
ولا يصح تعليق الرجوع بشرط، ولو زاد الموهوب رجع بزيادته المتصلة، كتعلم الصنعة، لا المنفصلة، كالاجرة والولد والحمل الحادث على ملك فرعه
ويكره للاصل، الرجوع في عطية الفرع، إلا لعذر، كأن كان الولد عاقا، أو يصرفه في معصية
وبحث البلقيني امتناعه في صدقة واجبة، كزكاة، ونذر، وكفارة، وبما ذكره أفتى كثيرون ممن سبقه وتأخر عنه، وله الرجوع فيما أقر بأنه لفرعه، كما أفتى به النووي، واعتمده جمع متأخرون، قال الجلال البلقيني عن أبيه، وفرض ذلك فيما إذا فسره بالهبة، وهو فرض لا بد منه. انتهى
وقال النووي
: لو وهب وأقبض ومات فادعى الوارث كونه في المرض، والمتهب كونه في الصحة، صدق. انتهى ولو أقاما بينتين قدمت بينة الوارث، لان معها زيادة علم
(وهبة دين للمدين إبراء) له عنه، فلا يحتاج إلى قبول، نظرا للمعنى. (ولغيره) أي المدين هبة (صحيحة) إن علما قدره، كما صححه جمع، تبعا للنص، خلافا لما صححه المنهاج
{ تنبيه }
لا يصح الابراء من المجهول للدائن أو المدين، لكن فيما فيه معاوضة، كأن أبرأتني فأنت طالق، لا فيما عدا ذلك: على المعتمد، وفي القديم: يصح من المجهول مطلقا. ولو أبرأ، ثم ادعى الجهل: لم يقبل ظاهرا، بل باطنا. ذكره الرافعي. وفي الجواهر عن الزبيلي: تصدق الصغيرة المزوجة إجبارا بيمينها في جهلها بمهرها. قال الغزي: وكذا الكبيرة المجبرة إن دل الحال على جهلها، وطريق الابراء من المجهول، أن يبرئه مما يعلم أنه لا ينقص عن الدين، كألف شك هل دينه يبلغها أو ينقص عنها ؟ ولو أبرأ من معين معتقدا أنه لا يستحقه، فبان أنه يستحقه، برئ
ويكره لمعط: تفضيل في عطية فروع، وإن سفلوا، ولو الاحفاد مع وجود الاولاد، على الاوجه، سواء كانت تلك العطية هبة أم هدية أم صدقة أم وقفا. أو أصول، وإن بعدوا، سواء الذكر وغيره إلا لتفاوت حاجة، أو فضل، على الاوجه، قال جمع: يحرم، ونقل في الروضة عن الدارمي: فإن فضل في الاصل فليفضل الام، وأقره لما في الحديث أن لها ثلثي البر، بل في شرح مسلم عن المحاسبي، الاجماع على تفصيلها في البر على الاب
{ فروع }
الهدايا المحمولة عند الختان ملك للاب، وقال جمع: للابن. فعليه يلزم الاب قبولها، ومحل الخلاف إذا أطلق المهدي فلم يقصد واحدا منهما، وإلا فهي لمن قصده، اتفاقا، ويجري ذلك فيما يعطاه خادم الصوفية فهو له فقط عند الاطلاق، أو قصده. ولهم عند قصدهم وله ولهم عند قصدهما، أي يكون له النصف فيما يظهر، وقضية ذلك أن ما اعتيد في بعض النواحي من وضع طاسة بين يدي صاحب الفرح ليضع الناس فيها دراهم، ثم يقسم على الحالق أو الخاتن أو نحوهما، يجري فيه ذلك التفصيل، فإن قصد ذلك وحده، أو مع نظرائه المعاونين له، عمل بالقصد. وإن أطلق، كان ملكا لصاحب الفرح، يعطيه لمن يشاء. وبهذا يعلم أنه لا نظر هنا للعرف، أما مع قصد خلافه، فواضح، وأما مع الاطلاق، فلان حمله على من ذكر، من الاب والخادم وصاحب الفرح، نظرا للغالب أن كلا من هؤلاء هو المقصود هو عرف الشرع، فيقدم على العرف المخالف له، بخلاف ما ليس للشرع فيه عرف، فإنه تحكم فيه العادة
ومن ثم لو نذر لولي ميت بمال، فإن قصد أنه يملكه، لغا، وإن أطلق، فإن كان على قبره ما يحتاج للصرف في مصالحه، صرف له، وإلا فإن كان عنده قوم اعتيد قصدهم بالنذر للولي، صرف لهم
ولو أهدي لمن خلصه من ظالم لئلا ينقص ما فعله لم يحل له قبوله، وإلا حل، أي وإن تعين عليه تخليصه، ولو قال خذ هذا واشتر لك به كذا، تعين ما لم يرد التبسط، أي أو تدل قرينة حاله عليه. ومن دفع لمخطوبته أو وكيلها أو وليها طعاما أو غيره ليتزوجها فرد قبل العقد، رجع على من أقبضه، ولو بعث هدية إلى شخص فمات المهدي إليه قبل وصولها، بقيت على ملك المهدي، فإن مات المهدى، لم يكن للرسول حملها إلى المهدى إليه
باب في الوقف
هو لغة: الحبس. وشرعا: حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته على مصرف مباح وجهة والاصل فيه: خبر مسلم: إذا مات المسلم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح أي مسلم يدعو له، وحمل العلماء: الصدقة الجارية على الوقف دون نحو الوصية بالمنافع المباحة. ووقف عمر رضي الله عنه أرضا أصابها بخيبر بأمره صلي الله عليه وسلم وشرط فيها شروط: منها أنه لا يباع أصلها ولا يورث ولا يوهب، وأن من وليها يأكل منها بالمعروف، ويطعم صديقا غير متمول. رواه الشيخان. وهو أول من وقف في الاسلام. وعن أبي يوسف أنه لما سمع خبر عمر أنه لا يباع أصلها رجع عن قول أبي حنيفة ببيع الوقف، وقال لو سمعه لقال به
(صح وقف عين) معينة (مملوكة) ملكا يقبل النقل (تفيد) فائدة حالا أو مآلا: كثمرة، أو منفعة يستأجر لها غالبا (وهي باقية) لانه شرع ليكون صدقة جارية وذلك كوقف شجر لريعه وحلى للبس ونحو مسك لشم وريحان مزروع بخلاف عود البخور، لانه لا ينتفع به إلا باستهلاكه. والمطعوم، لان نفعه في إهلاكه. وزعم ابن الصلاح: صحة وقف الماء اختيار له ويصح وقف المغصوب وإن عجز عن تخليصه ووقف العلو دون السفل مسجدا. والاوجه صحة وقف المشاع، وإن قل، مسجدا. ويحرم المكث فيه على الجنب، تغليبا للمنع، ويمنع إعتكاف وصلاة به من غير إذن ما لك المنفعة
(بوقفت وسبلت)، وحبست (كذا على كذا) أو أرضي موقوفة، أو وقف عليه. ولو قال تصدقت بكذا على كذا صدقة محرمة أو مؤبدة، أو صدقة لاتباع أو لا توهب أو لا تورث: فصريح - في الاصح
(و) من الصرائح قوله: (جعلت هذا) المكان (مسجدا) فيصير به مسجدا، وإن لم يقل لله، ولا أتى بشئ مما مر: لان المسجد لا يكون إلا وقفا. ووقفته للصلاة: صريح في الوقفية، وكناية في خصوص المسجدية. فلا بد من نيتها في غير الموات
نقل القامولي عن الرواياني وأقره من أنه لو عمر مسجدا خرابا ولم يقف آلاته: كانت عارية له، يرجع فيها متى شاء. انتهى
ولا يثبت حكم المسجد من صحة الاعتكاف وحرمة المكث للجنب لما أضيف من الارض الموقوفة حوله إذا احتيج إلى توسعته على ما أفتى به شيخنا ابن زياد وغيره
وعلم مما مر أن الوقف لا يصح إلا بلفظ، ولا يأتي فيه خلاف المعاطاة. فلو بنى بناء علي هيئة مسجد وأذن في إقامة الصلاة فيه: لم يخرج بذلك عن ملكه، كما إذا جعل مكانا على هيئة المقبرة، وأذن في الدفن - بخلاف ما لو أذن في الاعتكاف فيه فإنه يصير بذلك مسجدا. قال البغوي في فتاويه. لو قال لقيم المسجد اضرب اللبن من أرضي للمسجد، فضربه، وبنى به المسجد، صار له حكم المسجد، وليس له نقضه، وله استرداده قبل أن يبنى به. انتهى. وألحق البلقيني بالمسجد في ذلك: البئر المحفورة للسبيل. والاسنوي: المدارس والربط. وقال الشيخ أبو محمد: وكذا لو أخذ من الناس ليبنى به زاوية أو رباطا فيصير كذلك بمجرد بنائه. و 2 ضعفه بعضهم. ويصح وقف بقرة على رباط ليشرب لبنها من نزله أو ليباع نسلها لمصالحه
(وشرط له) أي للوقف (تأبيد) فلا يصح تأقيته. كوقفته على زيد سنة. (وتنجيز)، فلا يصح تعليقه: كوقفته على زيد إذا جاء رأس الشهر. نعم: يصح تعليقه بالموت: كوقفت داري بعد موتي على الفقراء. قال الشيخان: وكأنه وصية، لقول القفال إنه عرضها للبيع كان رجوعا. (وإمكان تمليك) للموقوف عليه العين الموقوفة إن وقف على معين واحد، أو جمع: بأن يوجد خارجا متأهلا للملك
فلا يصح الوقف على معدوم: كعلى مسجد سيبني، أو على ولده - ولا ولد له - أو على من سيولد لي ثم الفقراء. لانقطاع أوله. أو على فقراء أولاده ولا فقير فيهم، أو على أن يطعم المساكين ريعه على رأس قبره - بخلاف قبر أبيه الميت
وأفتى ابن الصلاح
بأنه لو وقف على من يقرأ على قبره بعد موته فمات ولم يعرف له قبر: بطل. انتهى. ويصح على المعدوم تبعا للموجود: كوقفته على ولدي ثم على ولد ولدي، ولا على أحد هذين، ولا على عمارة مسجد - إن لم يبينه - ولا على نفسه: لتعذر تمليك الانسان ملكه أو منافع ملكه لنفسه. ومنه أن يشرط نحو قضاء دينه مما وقفه أو انتفاعه به، لا شرط نحو شربه أو مطالعته من بئر وكتاب وقفهما على نحو الفقراء. كذا قاله بعض شراح المنهاج. ولو وقف على الفقراء مثلا ثم صار فقيرا: جاز له الاخذ منه، وكذا لو كان فقيرا حال الوقف. ويصح شرط النظر لنفسه ولو بمقابل - إن كان بقدر أجرة مثل فأقل - ومن حيل صحة الوقف على نفسه: أن يقف على أولاد أبيه ويذكر صفات نفسه، فيصح، كما قاله جمع متأخرون، واعتمده ابن الرفعة، وعمل به في حق نفسه، فوقف على الافقه من بني الرفعة، وكان يتناوله. ويبطل الوقف في جهة معصية: كعمارة الكنائس، وكوقف سلاح على قطاع طريق، ووقف على عمارة قبور غير الانبياء والعلماء والصالحين
{ فرع }
يقع لكثيرين أنهم يقفون أموالهم في صحتهم على ذكور أولادهم قاصدين بذلك حرمان إناثهم، وقد تكرر، - من غير واحد - الافتاء ببطلان الوقف حينئذ. قال شيخنا - كالطنبداوي - فيه نظر ظاهر، بل الوجه الصحة
(لا قبول) فلا يشترط (ولو من معين) نظرا إلى أنه قربة، بل الشرط عدم الرد. وما ذكرته في المعين هو المنقول عن الاكثرين. واختاره في الروضة ونقله في شرح الوسيط عن نص الشافعي. وقيل يشترط من المعين القبول، نظرا إلى أنه تمليك، وهو ما رجحه في المنهاج كأصله. فإذا رد المعين: بطل حقه - سوءاء شرطنا قبوله أم لا - نعم: لو وقف على وارثه الحائز شيئا يخرج من الثلث: لزم، وإن رده. وخرج بالمعين: الجهة العامة وجهة التحرير - كالمسجد - فلا قبول فيه جزما: ولو وقف على اثنين معينين ثم الفقراء فمات أحدهما فنصيبه يصرف للآخر، لانه شرط في الانتقال إلى الفقراء انقراضهما جميعا، ولم يوجد
(ولو انقرض) أي الموقوف عليه المعين (في منقطع آخر) كأن قال وقفت على أولادي - ولم يذكر أحدا بعد - أو على زيد ثم نسله ونحوهما مما لا يدوم: (فمصرفه) الفقير (الاقرب) رحما - لا إرثا - (إلى الواقف) يوم انقراضهم: كابن البنت وإن كان هناك ابن أخ مثلا، لان الصدقة على الاقارب أفضل، وأفضل منه الصدقة على أقربهم فأفقرهم. ومن ثم يجب أن يخص به فقراءهم فإن لم يعرف أرباب الوقف أو عرف ولم يكن له أقارب فقراء بل كانوا أغنياء - وهم من حرمت عليه الزكاة - صرفه الامام في مصالح المسلمين. وقال جمع يصرف إلى الفقراء والمساكين: أي ببلد الموقوف. ولا يبطل الوقف على كل حال بل يكون مستمرا عليه إلا فيما لم يذكر المصرف كوقفت هذا وإن قال لله، لان الوقف يقتضي تمليك المنافع، فإذا لم يعين متملكا بطل. وإنما صح أوصيت بثلثي وصرف للمساكين، لان غالب الوصايا لهم، فحمل الاطلاق عليهم، وإلا في منقطع الاول: كوقفته على من يقرأ على قبري بعد موتي، أو على قبر أبي وهو حي: فيبطل - بخلاف وقفته الآن، أو بعد موتي على من يقرأ على قبري بعد موتي، فإنه وصية. فإن خرج من الثلث أو أجيز وعرف قبره: صحت، وإلا فلا. وحيث صحت، وإلا فلا. وحيث صححنا الوقف أو الوصية: كفي قراءة شئ من القرآن بلا تعيين بسورة يس، وإن كان غالب قصد الواقف ذلك - كما أفتى به شيخنا الزمزمي - وقال بعض أصحابنا: هذا إذا لم يطرد عرف في البلد بقراءة قدر معلوم أو سورة معينة وعلمه الواقف، وإلا فلا بد منه: إذ عرف البلد المطرد في زمنه بمنزلة شرطه
(ولو شرط) أي الواقف (شيئا) يقصد كشرط أن لا يؤجر مطلقا، أو إلا كذا: كسنة، أو أن يفضل بعض الموقوف عليهم على بعض - أو أنثى على ذكر - أو يسوى بينهم، أو اختصاص نحو مسجد - كمدرسة ومقبرة - بطائفة كشافعية: (اتبع) شرطه - في غير حالة الضرورة - كسائر شروطه التي لم تخالف الشرع. وذلك لما فيه من وجوه المصلحة: أما ما خالف الشرع: كشرط العزوبة في سكان المدرسة - أي مثلا - فلا يصح - كما أفتى به البلقيني - وخرج بغير حالة الضرورة، ما لم يوجد غير المستأجر الاول وقد شرط أن لا يوءجر لانسان أكثر من سنة أو أن الطالب لا يقيم أكثر من سنة ولم يوجد غيره في السنة الثانية: فيهمل شرطه حينئذ - كما قاله ابن عبد السلام
{ فائدة }
الواو العاطفة للتسوية بين المتعاطفات: كوقفت هذا على أولادي وأولاد أولادي وثم والفاء للترتيب ويدخل أولاد بنات في ذرية ونسل وعقب وأولاد أولاد، إلا إن قال على من ينسب إلي منهم، فلا يدخلون حينئذ، والمولى يشمل معتقا وعتيقا. تنبيه حيث أجمل الواقف شرطه، اتبع فيه العرف المطرد في زمنه - لانه بمنزلة شرطه - ثم ما كان أقرب إلى مقاصد الواقفين - كما يدل عليه كلامهم - ومن ثم امتنع في السقايات المسبلة على الطرق غير الشرب ونقل الماء منها ولو للشرب. وبحث بعضهم حرمة نحو بصاق وعسل وسخ في ماء مطهرة المسجد، وإن كثر
وسئل
العلامة الطنبداوي عن الجوابي والجرار التي عند المساجد فيها الماء إذا لم يعلم أنها موقوفة للشرب، أو الوضوء أو الغسل الواجب، أو المسنون، أو غسل النجاسة ؟ (فأجاب) إنه إذا دلت قرينة على أن الماء موضوع لتعميم الانتفاع: جاز جميع ما ذكر من الشرب وغسل النجاسة وغسل الجنابة وغيرها. ومثال القرينة: جريان الناس على تعميم لانتفاع من غير نكير من فقيه وغيره، إذا الظاهر من عدم النكير: أنهم أقدموا على تعميم الانتفاع بالماء بغسل وشرب ووضوء وغسل نجاسة. فمثل هذا إيقاع يقال بالجواز. وقال إن فتوى العلامة عبد الله بامخرمة يوافق ما ذكره. انتهى
قال القفال وتبعوه
: ويجوز شرط رهن من مستعير كتاب وقف يأخذه الناظر منه ليحمله على رده وألحق به شرط ضامن
وأفتى بعضهم في الوقف على النبي صلي الله عليه وسلم أو النذر له بأنه يصرف لمصالح حجرته الشريفة فقط، أو على أهل بلد أعطي مقيم بها أو غائب عنها لحاجة غيبة لا تقطع نسبته إليها عرفا
{ فروع }
قال التاج الفزاري والبرهان المراغي وغيرهما: من شرط قراءة جزء من القرآن كل يوم كفاه قدر جزء، ولو مفرقا ونظرا، وفي المفرق نظر. ولو قال ليتصدق بغلته في رمضان أو عاشوراء ففات: تصدق بعده، ولا ينتظر مثله. نعم: إن قال فطرا لصوامه انتظره. وأفتى غير واحد بأنه لو قال على من يقرأ على قبر أبي كل جمعة يس بأنه إن حد القراء بمدة معينة، أو عين لكل سنة غلة: اتبع، وإلا بطل - نظير ما قالوه من بطلان الوصية لزيد كل شهر بدينار إلا في دينار واحد. انتهى
وإنما يتجه إلحاق الوقف بالوصية: إن علق بالموت، لانه حينئذ وصية. وأما الوقف الذي ليس كالوصية: فالذي يتجه صحته، إذ لا يترتب عليه محذور بوجه - لان الناظر إذا قرر من يقرأ كذلك: استحق ما شرط ما دام يقرأه فإذا مات مثلا: قرر الناظر غيره، وهكذا. ولو قال الواقف وقفت هذا على فلان ليعمل كذا: قال ابن الصلاح: احتمل أن يكون شرطا للاستحقاق، وأن يكون توصية له لاجل وقفه. فإن علم مراده: اتبع، وإن شك: لم يمنع الاستحقاق. وإنما يتجه فيما لا يقصد عرفا صرف الغلة في مقابلته، وإلا كلتقرأ أو تتعلم كذا: فهو شرط للاستحقاق - فيما استظهره شيخنا - ولوقف وأوصى للضيف: صرف للوارد على ما يقتضيه العرف ولا يزاد على ثلاثة أيام مطلقا، ولا يدفع له حب إلا إن شرطه الواقف. وهل يشترط فيه الفقر ؟ قال شيخنا: الظاهر لا
وسئل
شيخنا الزمزمي عما لو وقف ليصرف غلته للاطعام عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: فهل يجوز للناظر أن يطعمها من نزل به من الضيفان في غير شهر المولد بذلك القصد أو لا ؟ وهل يجوز للقاضي أن يأكل من ذلك إذا لم يكن له رزق من بيت المال ولا من مياسير المسلمين ؟ (فأجاب) بأنه يجوز للناظر أن يصرف الغلة المذكورة في إطعام من ذكر، ويجوز للقاضي الاكل منها أيضا - لانها صدقة - والقاضي إذا لم يعرفه المتصدق ولم يكن القاضي عارفا به. قال السبكي لا شك في جواز الاخذ له. وبقوله أقول: لانتفاء المعنى المانع، وإلا يحتمل أن يكون كالهدية. ويحتمل الفرق بأن المتصدق إنما قصد ثواب الآخرة. انتهى
وقال ابن عبد السلام
: ولا يستحق ذو وظيفة كقراءة أخل بها في بعض الايام. وقال النووي: وإن أخل استناب لعذر - كمرض، أو حبس - بقي استحقاقه، وإلا لم يستحق لمدة الاستنابة. فأفهم بقاء أثر أستحقاقه لغير مدة الاخلال، وهو ما اعتمده السبكي - كابن الصلاح - في كل وظيفة تقبل الانابة: كالتدريس والامامة
(ولموقوف عليه) عين مطلقا أو لاستغلال ريعها لغير نفع خاص منها (ريع) وهو فوائد الموقوف جميعها: كأجرة ودر وولد حادث بعد الوقف، وثمر وغصن يعتاد قطعه، أو شرط ولم يوءد قطعه لموت أصله فيتصرف في فوائده تصرف الملاك بنفسه وبغيره - ما لم يخالف شرط الواقف - لان ذلك هو المقصود من الوقف. وأما الحمل المقارن: فوقف تبعا لامة. أما إذا وقفت عليه عين لنفع خاص - كدابة للركوب - ففوائدها من در ونحوه للواقف. ولا يجوز وطئ أمة موقوفة - ولو من واقف أو موقوف عليه - لعدم ملكها، بل يحدان، ويزوجها قاض بإذن الموقوف عليه - لا له، ولا للواقف
واعلم
أن الملك في رقبة الموقوف على معين أو جهة ينتقل إلى الله تعالى: أي ينفك عن اختصاص الآدميين. فلو شغل المسجد بأمتعة وجبت الاجرة له فتصرف لمصالحه على الاوجه
{ فائدة }
ومن سبق إلى محل من مسجد لاقراء قرآن أو حديث أو علم شرعي أو آلة له أو لتعلم ما ذكر أو كسماع درس بين يدي مدرس وفارقه ليعود إليه ولم تطل مفارقته بحيث انقطع عنه الالفة: فحقه باق، لان له غرضا في ملازمة ذلك الموضع ليألفه الناس. وقيل يبطل حقه بقيامه. وأطالوا في ترجيحه نقلا ومعنى أو للصلاة ولو قبل دخول وقتها أو قراءة أو ذكر وفارقه بعذر: كقضاء حاجة وإجابة داع، فحقه باق - ولو صبيا - في الصف الاول في تلك الصلاة، وإن لم يترك رداءه فيه. فيحرم - على غير العالم - الجلوس فيه بغير إذنه، أو ظن رضاه. نعم: إن أقيمت الصلاة في غيبته واتصلت الصفوف: فالوجه سد الصف مكانه، لحاجة إتمام الصفوف. ذكره الاذرعي وغيره. فلو كان له سجادة فيه فينحيها برجله من غير أن يرفعها بها عن الارض، لئلا تدخل في ضمانه. أما جلوسه لاعتكاف فإن لم ينو مدة بطل حقه بخروجه - ولو لحاجة - وإلا لم يبطل حقه بخروجه أثناءها لحاجة. وأفتى القفال بمنع تعليم الصبيان في المساجد
(ولا يباع موقوف وإن خرب) فلو انهدم مسجد وتعذرت إعادته: لم يبع، ولا يعود ملكا بحال - لامكان الصلاة والاعتكاف في أرضه - أو جف الشجر الموقوف أو قلعه ريح لم يبطل الوقف، فلا يباع ولا يوهب، بل ينتفع الموقوف عليه - ولو بجعله أبوابا، إن لم يمكنه إجارته خشبا بحاله - فإن تعذر الانتفاع به إلا باستهلاكه: كأن صار لا ينتفع به إلا بالاحراق: انقطع الوقف - أي ويملكه الموقوف عليه حينئذ - على المعتمد فينتفع بعينه ولا يبيعه. ويجوز بيع حصر المسجد الموقوفة عليه إذا بليت، بأن ذهب جمالها ونفعها وكانت المصلحة في بيعها، وكذا جذوعه المنكسرة - خلافا لجمع فيهما - ويصرف ثمنها لمصالح المسجد إن لم يمكن شراء حصير أو جذع به. والخلاف في الموقوفة - ولو بأن اشتراها الناظر ووقفها - بخلاف الموهوبة والمشتراة للمسجد، فتباع جزما، لمجرد الحاجة: أي المصلحة - وإن لم تبل - وكذا نحو القناديل
ولا يجوز استعمال حصر المسجد ولا فراشه في غير فرشه مطلقا - سواء كانت لحاجة أم لا - كما أفتى به شيخنا. ولو اشترى الناظر أخشابا للمسجد، أو وهبت له وقبلها الناظر: جاز بيعها لمصلحة - كأن خاف عليها نحو سرقة - لا إن كانت موقوفة من أجزاء المسجد، بل تحفظ له وجوبا. ذكره الكمال الرداد في فتاويه. ولا ينقض المسجد إلا إذا خيف على نقضه فينقض يحفظ، أو يعمر به مسجد آخر إن رآه الحاكم. والاقرب إليه أولى، ولا يعمر به غير جنسه كرباط وبئر - كالعكس - إلا إذا تعذر جنسه
والذي يتجه ترجيحه في ريع وقف المنهدم، أنه إن توقع عوده: حفظ له، وإلا صرف لمسجد آخر. فإن تعذر: صرف للفقراء، كما يصرف النقض لنحو رباط
وسئل
شيخنا عما إذا عمر مسجد بآلات جدد، وبقيت آلاته القديمة: فهل يجوز عمارة مسجد آخر قديم بها أو تباع ويحفظ ثمنها ؟ (فأجاب) بأنه يجوز عمارة مسجد قديم وحادث بها حيث قطع بعدم احتياج ما هي منه إليها قبل فنائها، ولا يجوز بيعه بوجه من الوجوه. انتهى. ونقل نحو حصير المسجد وقناديله كنقل آلته. ويصرف ريع الموقوف على المسجد مطلقا، أو على عمارته في البناء - ولو لمنارته - وفي التجصيص المحكم والسلم، وفي أجرة القيم - لا المؤذن والامام والحصر والدهن، إلا إن كان الوقف لمصالحه، فيصرف في ذلك - لا في التزويق والنقش - وما ذكرته - من أنه لا يصرف للمؤذن والامام في الوقف المطلق - هو مقتضى ما نقله النووي في الروضة عن البغوي، لكنه نقل بعده عن فتاوي الغزالي أنه يصرف لهما، وهو الاوجه - كما في الوقف على مصالحه - ولو وقف على دهن لاسراج المسجد به أسرج كل الليل إن لم يكن مغلقا مهجورا. وأفتى ابن عبد السلام بجواز إيقاد اليسير من المصابيح فيه ليلا - احتراما - مع خلوه من الناس، واعتمده جمع. وجزم في الروضة بحرمة إسراج الخالي. قال في المجموع: يحرم أخذ شئ من زيته وشمعه - كحصاه وترابه
{ فرع }
ثمر الشجر النابت بالمقبرة المباحة مباح وصرفه لمصالحها أولى، وثمر المغروس في المسجد ملكه إن غرس له، فيصرف لمصالحه. وإن غرس ليوءكل أو جهل الحال فمباح. وفي الانوار: ليس للامام إذا اندرست مقبرة ولم يبق بها أثر: إجارتها للزراعة - أي مثلا - وصرف غلتها للمصالح وحمل على الموقوفة: فالمملوكة لمالكها إن عرف، وإلا فمال ضائع: أي إن أيس من معرفته يعمل فيه الامام بالمصلحة، وكذا المجهولة
وسئل
العلامة الطنبداوي في شجرة نبتت بمقبرة مسبلة ولم يكن لها ثمر ينتفع به إلا أن بها أخشابا كثيرة تصلح للبناء، ولم يكن لها ناظر خاص، فهل للناظر العام - أي القاضي - بيعها وقطعها وصرف قيمتها إلى مصالح المسلمين ؟. (فأجاب) نعم: للقاضي في المقبرة العامة المسبلة بيعها وصرف ثمنها في مصالح المسلمين، كثمر الشجرة التي لها ثمر، فإن صرفها في مصالح المقبرة أولى. هذا عند سقوطها بنحو ريح. وأما قطعها مع سلامتها فيظهر إبقاوها للرفق بالزائر والمشيع
(ولو شرط واقف نظرا له) أي لنفسه (أو لغيره اتبع) كسائر شروطه. وقبول من شرط له النظر: كقبول الوكيل - على الاوجه - وليس له عزل من شرط نظره حال الوقف - ولو لمصلحة - (وإلا) يشرط لاحد (فهو لقاض) أي قاضي بلد الموقوف بالنسبة لحفظه وإجارته، وقاضي بلد الموقوف عليه بالنسبة لما عدا ذلك على المذهب: لانه صاحب النظر العام، فكان أولى من غيره، ولو واقفا أو موقوفا عليه. وجزم الخوارزمي بثبوته للواقف وذريته بلا شرط ضعيف. قال السبكي: ليس للقاضي أخذ ما شرط للناظر إلا أن صرح الواقف بنظره كما أنه ليس له أخذ شئ من سهم عامل الزكاة قال ابنه التاج: ومحله في قاض له قدر كفايته. وبحث بعضهم أنه لو خشي من القاضي أكل الوقف لجوره جاز لمن هو بيده صرفه في مصارفه: أي إن عرفها، وإلافوضه لفقيه عارف بها أو سأله وصرفها. وشرط الناظر - واقفا كان أو غيره - العدالة، والاهتداء إلى التصرف المفوض إليه. ويجوز للناظر ما شرط له من الاجرة وإن زاد على أجرة مثله، ما لم يكن الواقف. فإن لم يشرط له شئ فلا أجرة له. نعم: له رفع الامر إلى الحاكم ليقرر له الاقل من نفقته وأجرة مثله - كولي اليتيم - وأفتى ابن الصباغ بأن له الاستقلال بذلك من غير حاكم وينعزل الناظر بالفسق، فيكون النظر للحاكم. وللواقف عزل من ولاه ونصب غيره، إلا إن شرط نظره حال الوقف
{ تتمة }
لو طلب المستحقون من الناظر كتاب الوقف ليكتبوا منه نسخة حفظا لاستحقاقهم: لزمه تمكينهم - كما أفتى به بعضهم
باب في الاقرار
هو لغة الاثبات، وشرعا إخبار الشخص بحق عليه. ويسمى اعترافا (يؤاخذ بإقرار مكلف مختار) فلا يؤاخذ بإقرار صبي ومجنون ومكره بغير حق على الاقرار بأن ضرب ليقر، إما مكره على الصدق: كأن ضرب ليصدق في قضية اتهم فيها فيصح حال الضرب وبعده على إشكال قوي فيه، سيما إن علم أنهم لا يرفعون الضرب إلا بأخذت مثلا. ولو ادعى صبا أمكن أو نحو جنون عهد أو إكراها، وثم أمارة كحبس أو ترسيم وثبت ببينة أو بإقرار المقر له أو بيمين مردودة: صدق بيمينه، ما لم تقم بينة بخلافه. وأما إذا ادعى الصبي بلوغا بإمناء ممكن، فيصدق في ذلك ولا يحلف عليه، أو بسن: كلف ببنة عليه وإن كان غريبا لا يعرف - وهي رجلان - نعم: إن شهد أربع نسوة بولادته يوم كذا: قبلن ويثبت بهن السن تبعا - كما قاله شيخنا
(وشرط فيه) أي الاقرار (لفظ) يشعر بالتزام بحق (كعلي) أو (عندي كذا) لزيد، ولو زاد: فيما أظن أو أحسب: لغا. ثم إن كان المقر به معينا: كلزيد هذا الثوب، أو خذ به أو غيره كله ثوب أو ألف: اشترط أن يضم إليه شئ مما يأتي: كعندي، أو علي. وقوله علي أو في ذمتي للدين، ومعي أو عندي للعين ويحمل العين على أدنى المراتب، وهو الوديعة، فيقبل قوله بيمينه في الرد والتلف (و) ك (- نعم)، وبلى وصدقت، (وأبرأتني) منه، أو أبرئني منه. (وقضيته لجواب أليس لي) عليك كذا ؟ (أو) قال له (لي عليك كذا) من غير استفهام، لان المفهوم من ذلك: الاقرار. ولو قال اقض الالف الذي لي عليك، أو أخبرت أن لي عليك ألفا فقال نعم، أو أمهلني، أو لا أنكر ما تدعيه، أو حتى أفتح الكيس، أو أجد المفتاح أو الدراهم مثلا: فإقرار - حيث لا استهزاء - فإن اقترن بواحد مما ذكر قرينة استهزاء: كإيراد كلامه بنحو ضحك وهز رأسه مما يدل على التعجب والانكار: أي وثبت ذلك - كما هو ظاهر - لم يكن به مقرا على المعتمد. وطلب البيع إقرار بالملك والعارية والاجارة بملك المنفعة، لكن تعينها إلى المقر. وأما قوله ليس لك علي أكثب من ألف، جوابا لقوله لي عليك ألف أو نتحاسب أو اكتبوا لزيد علي ألف درهم أو اشهدوا علي بكذا أو بما في هذا الكتاب، فليس بإقرار - بخلاف أشهدكم، مضافا لنفسه. وقوله - لمن شهد عليه - هو عدل فيما شهد به إقرار: كإذا شهد علي فلان بمائة أو قال ذلك فهو صادق، فإنه إقرار - وإن لم يشهد
(و) شرط (في مقر به أن لا يكون) ملكا (لمقر) حين يقر، لان الاقرار ليس إزالة عن الملك، وإنما هو إخبار عن كونه ملكا للمقر له إذا لم يكذبه. فقوله داري أو ثوبي أو داري التي اشتريتها لنفسي لزيد، أو ديني الذي على زيد لعمرو: لغو - لان الاضافة إليه تقتضي الملك له، فتنافى الاقرار به لغيره: إذ هو إقرار بحق سابق. ولو قال مسكني أو ملبوسي لزيد، فهو إقرار، لانه قد يسكن ويلبس ملك غيره. ولو قال: الدين الذي كتبته أو باسمي على زيد لعمرو: صح، أو الدين الذي لي على زيد لعمرو: لم يصح، إلا إن قال: واسمي في الكتاب عارية. ولو أقر بحرية عبد معين في يد غيره أو شهد بها ثم اشتراه لنفسه أو ملكه بوجه آخر: حكم بحريته. ولو أشهد أنه سيقر بما ليس عليه، فأقر أن عليه لفلان كذا: لزمه، ولم ينفعه ذلك الاشهاد
(وصح إقرار من مريض) مرض موت (ولو لوارث) بدين أو عين، فيخرج من رأس المال - وإن كذبه بقية الورثة - لانه انتهى إلى حالة يصدق فيها الكاذب ويتوب الفاجر، فالظاهر صدقه. لكن للوارث تحليف المقر له على الاستحقاق - فيما استظهره شيخنا - خلافا للقفال. ولو أقر بنحو هبة مع قبض في الصحة قبل، وإن أطلق أو قال في عين عرف أنها ملكه هذه ملك لوراثي نزل على حالة المرض. قاله القاضي. فيتوقف على إجازة بقية الورثة: كما لو قال وهبته في مرضي. واختار جمع عدم قبوله إن اتهم لفساد الزمان، بل قد تقطع القرائن بكذبه، فلا ينبغي لمن يخشى الله أن يقضي أو يفتي بالصحة، ولا شك فيه إذا علم أن قصده الحرمان. وقد صرح جمع بالحرمة حينئذ، وأنه لا يحل للمقر له أخذه، ولا يقدم إقرار صحة على إقرار مرض
(و) صح إقرار (بمجهول) كشئ أو كذا، فيطلب من المقر تفسيره - فلو قال له علي شئ أو كذا قبل تفسيره بغير عيادة المريض ورد سلام ونجس لا يقتنى كخنزير. ولو قال له علي مال قبل تفسيره بمتمول وإن قال - لا بنجس - ولو قال هذه الدار وما فيها لفلان صح، واستحق جميع ما فيها وقت الاقرار. فإن اختلفا في شئ أهو بها وقته ؟ صدق المقر، وعلى المقر له البينة
(و) صح إقرار (بنسب ألحقه بنفسه): كأن قال هذا ابني (بشرط إمكان) فيه بأن لا يكذبه الشرع والحس - بأن يكون دونه في السن بزمن يمكن فيه كونه ابنه، وبأن لا يكون معروف النسب بغيره (و) مع (تصديق مستلحق) أهل له فإن لم يصدقه أو سكت: لم يثبت نسبه إلا ببينة
(ولو أقر ببيع أو هبة وقبض وإقباض) بعدها (فادعى فساده لم يقبل) في دعواه فساده. وإن قال أقررت لظني الصحة، لان الاسم عند الاطلاق يحمل على الصحيح. نعم: إن قطع ظاهر الحال بصدقه - كبدوي جلف فينبغي قبول قوله. - كما قاله شيخنا - وخرج بإقباض: ما لو اقتصر على الهبة، فلا يكون مقرا بإقباض. فإن قال ملكها ملكا لازما وهو يعرف معنى ذلك: كان مقرا بالاقباض، وله تحليف المقر له أنه ليس فاسدا لامكان ما يدعيه، ولا تقبل ببيته، لانه كذبها بإقراره فإن نكل حلف المقر أنه كان فاسدا وبطل البيع أو الهبة، لان اليمين المردودة كالاقرار. ولو قال هذا لزيد بل لعمرو، أو غصبت من زيد بل من عمرو: سلم لزيد - سواء قال ذلك متصلا بما قبله أم منفصلا عنه، وإن طال الزمن، لامتناع الرجوع عن الاقرار بحق آدمي وغرم بدله لعمرو. ولو أقر بشئ ثم أقر ببعضه دخل الاقل في الاكثر. ولو أقر بدين لآخر ثم ادعى أداءه إليه وأنه نسي ذلك حالة الاقرار: سمعت دعواه للتحليف فقط. فإن أقام بينة بالاداء: قبلت - على ما أفتى به بعضهم - لاحتمال ما قاله كما لو قال لا بينة لي ثم أتى ببينة تسمع. ولو قال لا حق لي على فلان ففيه خلاف. والراجح منه أنه إن قال فيما أظن أو فيما أعلم ثم أقام بينة بأن له عليه حقا قبلت، وإن لم يقل ذلك لم تقبل ببينته إلا إن اعتذر بنحو نسيان أو غلط ظاهر
باب في الوصية
هي لغة الايصال: من وصى الشئ بكذا وصله به، لان الموصي وصل خير دنياه بخير عقباه. وشرعا تبرع بحق مضاف لما بعد الموت. وهي سنة مؤكدة إجماعا. وإن كانت الصدقة بصحة فمرض أفضل، فينبغي أن لا يغفل عنها ساعة: كما صرح به الخبر الصحيح ما حق أمرئ مسلم له شئ يوصي فيه يبيت ليلة أو ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عند رأسه أي ما الحزم أو المعروف شرعا إلا ذلك، لان الانسان لا يدري متى يفجؤه الموت. وتكره الزيادة على الثلث إن لم يقصد حرمان ورثته، وإلا حرمت
(تصح وصية مكلف حر) مختار عند، الوصية، فلا تصح من صبي ومجنون ورقيق ولو مكاتبا لم يأذن له السيد ولا من مكره والسكران كالمكلف. وفي قول تصح من صبي مميز (لجهة حل): كعمارة مسجد ومصالحه، وتحمل عليهما عند الاطلاق: بأن قال أوصيت به للمسجد - ولو غير ضرورية - عملا بالعرف. ويصرفه الناظر للاهم والاصلح باجتهاده. وهي للكعبة وللضريح النبوي تصرف لمصالحهما الخاصة بهما كترميم ما، وهي من الكعبة دون بقية الحرم، وقيل في الاولى لمساكين مكة. قال شيخنا: يظهر أخذا مما قالوه في النذر للقبر المعروف بجرجان صحة الوصية كالوقف لضريح الشيخ الفلاني، وتصرف في مصالح قبره والبناء الجائز عليه ومن يخدمونه أو يقرأون عليه. أما إذا قال للشيخ الفلاني ولم ينو ضريحه ونحوه: فهي باطلة. ولو أوصى لمسجد سيبني: لم تصح، وإن بني قبل موته إلا تبعا، وقيل تبطل فيما لو قال أردت تمليكه وكعمارة نحو قبة على قبر نحو عالم في غير مسبلة. ووقع في زيادات العبادي: ولو أوصى بأن يدفن في بيته بطلت الوصية. وخرج بجهة حل: جهة المعصية - كعمارة كنيسة وإسراج فيها وكتابة نحو توراة وعلم محرم
(و) تصح (لحمل) موجود حال الوصية يقينا، فتصح لحمل انفصل وبه حياة مستقرة لدون ستة أشهر من الوصية أو لاربع سنين فأقل ولم تكن المرأة فراشا لزوج أو سيد وأمكن كون الحمل منه، لان الظاهر وجوده عندها لندرة وطئ الشبهة وفي تقدير الزنا إساءة ظن بها. نعم: لو لم تكن فراشا قط لم تصح الوصية قطعا لا لحمل سيحدث وإن حدث قبل موت الموصي: لانها تمليك، وتمليك المعدوم ممتنع، فأشبهت الوقف على من سيولد له. نعم، إن جعل المعدوم تبعا للموجود - كأن أوصى لاولاد زيد الموجودين ومن سيحدث له من الاولاد - صحت لهم تبعا، ولا لغير معين فلا تصح لاحد هذين. هذا إذا كان بلفظ الوصية، فإن كان بلفظ أعطوا هذا لاحدهما: صح، لانه وصية بالتمليك من الموصى إليه
(و) تصح (لوارث) للموصي (مع إجازة) بقية (ورثته) بعد موت الموصي وإن كانت الوصية ببعض الثلث ولا أثر لاجازتهم في حياة الموصي: إذ لا حق لهم حينئذ، والحيلة في أخذه من غير توقف على إجازة أن يوصي لفلان بألف: أي وهو ثلثه فأقل إن تبرع لولده بخمسمائة، أو بألفين كما هو ظاهر. فإذا قبل وأدى للابن ما شرط عليه. أخذ الوصية، ولم يشارك بقية الورثة الابن فيما حصل له. ومن الوصية له إبراؤه وهبته والوقف عليه. نعم، لو وقف عليهم ما يخرج من الثلث على قدر نصيبهم نفذ من غير إجازة، فليس لهم نقضه. والوصية لكل وارث بقدر حصته - كنصف وثلث - لغو، لانه يستحقه بغير وصية، ولا يأثم بذلك. وبعين هي قدر حصته: كأن ترك ابنين وقنا ودارا قيمتهما سواء، فخص كلا بواحد صحيحة إن أجازا. ولو أوصى للفقراء بشئ لم يجز للوصي أن يعطى منه شيئا لورثة الميت، ولو فقراء - كما نص عليه في الام
وإنما تصح الوصية (بأعطوه كذا)، وإن لم يقل من ما لي أو وهبته له أو جعلته له (أو هو له بعد موتي) في الاربعة، وذلك لان إضافة كل منها للموت صيرتها بمعنى الوصية (وبأوصيت له) بكذا وإن لم يقل بعد موتي لوضعها شرعا لذلك. فلو اقتصر على نحو وهبته له: فهو هبة ناجزة، أو على نحو ادفعوا إليه من مالي كذا أو أعطوا فلانا من مالي كذا: فتوكيل يرتفع بنحو الموت وليست كناية وصية، أو على جعلته له: احتمل الوصية والهبة، فإن علمت نيته لاحدهما، وإلا بطل، أو على ثلث مالي للفقراء لم يكن إقرارا ولا وصية للفقراء. قال شيخنا: ويظهر أنه كناية وصية، أو على هو له فإقرار، فإن زاد من مالي فكناية وصية. وصرح جمع متأخرون بصحة قوله لمدينة إن مت فأعط فلانا ديني الذي عليك أو ففرقه على الفقراء، ولا يقبل قوله في ذلك، بل لا بد من بينة به. وتنعقد بالكناية: كقوله عينت هذا له، أو ميزته له، أو عبدي هذا له. والكتابة كناية فتنعقد بها مع النية، ولو من ناطق - إن اعترف نطقا هو أو وارثه بنية الوصية بها - ولا يكفي هذا خطي وما فيه وصيتي، وتصح بالالفاظ المذكورة من الموصي
(مع قبول) موصى له (معين) محصور إن تأهل، وإلا فنحو وليه (بعد موت موص) ولو بتراخ، فلا يصح القبول كالرد قبل موت الموصي، لان للموصي أن يرجع فيها. فلمن رد قبل الموت القبول بعده، ولا يصح الرد بعد القبول. ومن صريح الرد: رددتها، أو لا أقبلها. ومن كنايته: لا حاجة لي بها، وأنا غني عنها ولا يشترط القبول في غير معين كالفقراء، بل تلزم بالموت، ويجوز الاقتصار على ثلاثة منهم، ولا يجب التسوية بينهم. وإذا قبل الموصى له بعد الموت بأن به - أي بالقبول - الملك له في الموصي به من الموت: فيحكم بترتب أحكام الملك حينئذ من وجوب نفقة وفطرة والفوز بالفوائد الحاصلة وغير ذلك
(لا) تصح الوصية (في زائد على ثلث في) وصية وقعت في (مرض مخوف) لتولد الموت عن جنسه كثيرا (إن رده وارث) خاص مطلق التصرف، لانه حقه، فإن كان غير مطلق التصرف - فإن توقعت أهليته عن قرب: وقف إليها، وإلا بطلت، ولو أجار بعض الورثة فقط: صح في قدر حصته من الزائد وإن أجاز الوارث الاهل فإجازته تنفيذ للوصية بالزائد
والمخوف: كإسهال متتابع، وخروج الطعام بشدة ووجع، أو مع دم من عضو شريف، كالكبد، دون البواسير، أو بلا استحالة، وحمى مطبقة، وكطلق حامل، وإن تكررت ولادتها، لعظم خطره
ومن ثم كان موتها منه شهادة وبقاء مشيمة والتحام قتال بين متكافئين واضطراب ريح في حق راكب سفينة، وإن أحسن السباحة وقرب من البر
وأما زمن الوباء والطاعون فتصرف الناس كلهم فيه محسوب من الثلث
وينبغي لمن ورثته أغنياء أو فقراء أن لا يوصي بزائد على ثلث، والاحسن أن ينقص منه شيئا
(ويعتبر منه) أي الثلث أيضا (عتق علق بالموت) في الصحة أو المرض (و) تبرع نجز في مرضه. (كوقف وهبة) وإبراء. ولو اختلف الوارث والمتهب: هل الهبة في الصحة أو المرض ؟ صدق المتهب بيمينه، لان العين في يده. ولو وهب في الصحة وأقبض في المرض، اعتبر من الثلث. أما المنجز في صحته فيحسب من رأس المال، كحجة الاسلام، وعتق المستولدة، ولو ادعى الوارث موته في مرض تبرعه والمتبرع عليه شفاءه وموته من مرض آخر أو فجأة، فإن كان مخوفا صدق الوارث وإلا فالآخر. ولو اختلفا في وقوع التصرف في الصحة أو في المرض، صدق المتبرع عليه، لان الاصل دوام الصحة، فإن أقاما بينتين قدمت بينة المرض
{ فرع }
لو أوصى لجيرانه فلاربعين دارا من كل جانب فيقسم حصة كل دار على عدد سكانها، أو للعلماء فلمحدث يعرف حال الراوي قوة أو ضدها والمروي صحة وضدها، ومفسر يعرف معنى كل آية وما أريد بها، وفقيه يعرف الاحكام الشرعية نصا واستنباطا. والمراد هنا من حصل شيئا من الفقه، بحيث يتأهل به لفهم باقيه، وليس منهم نحوي وصرفي ولغوي ومتكلم ويكفي ثلاثة من أصحاب العلوم الثلاثة أو بعضها. ولو أوصى لاعلم الناس اختص بالفقهاء، أو للقراء لم يعط إلا من يحفظ كل القرآن عن ظهر قلب، أو لاجهل الناس صرف لعباد الوثن، فإن قال من المسلمين فمن يسب الصحابة ويدخل في وصية الفقراء والمساكين وعكسه، ويدخل في أقارب زيد كل قريب، وإن كان بعد، لا أصل وفرع، ولا تدخل في أقارب نفسه ورثته
(وتبطل الوصية المعلقة بالموت) ومثلها تبرع علق بالموت، سواء كان التعليق في الصحة أو المرض، فللموصي الرجوع فيها، كالهبة، قبل القبض، بل أولى. ومن ثم لم يرجع في تبرع نجزه في مرضه، وإن اعتبر من الثلث (برجوع) عن الوصية (بنحو نقضتها)، كأبطلتها أو رددتها أو أزلتها. والاوجه صحة تعليق الرجوع فيها على شرط لجواز التعليق فيها، فأولى في الرجوع عنها (و) بنحو (هذا لوارثي) أو ميراث عني، سواء أنسي الوصية أم ذكرها
وسئل
شيخنا عما لو أوصى له بثلث ماله إلا كتبه، ثم بعد مدة أوصى له بثلث ماله ولم يستثن: هل يعمل بالاولى أو بالثانية ؟. (فأجاب) بأن الذي يظهر العمل بالاولى، لانها نص في إخراج الكتب، والثانية محتملة إنه ترك الاستثناء فيها لتصريحه به في الاولى، وأنه تركه إبطالا له، والنصب مقدم على المحتمل
(و) بنحو (بيع ورهن) ولو بلا قبول (وعرض عليه) وتوكيل فيه (و) نحو (غراس) في أرض أوصى بها، بخلاف زرعه بها. ولو اختص نحو الغراس ببعض الارض، اختص الرجوع بمحله. وليس من الرجوع إنكار الموصي الوصية إن كان لغرض. ولو أوصى بشئ لزيد ثم أوصى به لعمرو، فليس رجوعا، بل يكون بينهما نصفين. ولو أوصى به لثالث كان بينهم أثلاثا، وهكذا. قاله الشيخ زكريا في شرح المنهج. ولو أوصى لزيد بمائة ثم بخمسين فليس له إلا خمسون، لتضمن الثانية الرجوع عن بعض الاولى، قاله النووي
{ مطلب في الايصاء }
(وتنفع ميتا) من وارث وغيره (صدقة) عنه، ومنها وقف لمصحف وغيره، وبناء مسجد، وحفر بئر، وغرس شجر منه في حياته أو من غيره عنه بعد موته (ودعاء) له إجماعا. وصح في الخبر أن الله تعالى يرفع درجة العبد في الجنة باستغفار ولده له وقوله تعالى: * (وأن ليس للانسان إلا ما سعى) * عام مخصوص بذلك، وقيل منسوخ. ومعنى نفعه بالصدقة أنه يصير كأنه تصدق. قال الشافعي - رضي الله عنه - وواسع فضل الله أن يثيب المتصدق أيضا. ومن ثم قال أصحابنا: يسن له نية الصدقة عن أبويه مثلا، فإنه تعالى يثيبهما ولا ينقص من أجره شيئا. ومعنى نفعه بالدعاء، حصول المدعو به له إذا استجيب، واستجابته محض فضل من الله تعالى. أما نفس الدعاء وثوابه فهو للداعي، لانه شفاعة أجرها للشافع، ومقصودها للمشفوع له. نعم، دعاء الولد يحصل ثوابه، نفسه للوالد الميت، لان عمل ولده لتسببه في وجوده من جملة عمله، كما صرح به خبر ينقطع عمل ابن آدم إلا من ثلاث ثم قال: أو ولد صالح، أي مسلم، يدعو له حمل دعاءه من عمل الوالد
أما القراءة فقد قال النووي في شرح مسلم: المشهور من مذهب الشافعي أنه لا يصل ثوابها إلى الميت. وقال بعض أصحابنا يصل ثوابها للميت بمجرد قصده بها، ولو بعدها، وعليه الائمة الثلاثة واختاره كثيرون من أئمتنا، واعتمده السبكي وغيره، فقال: والذي دل عليه الخبر بالاستنباط أن بعض القرآن إذا قصد به نفع الميت نفعه وبين ذلك، وحمل جمع عدم الوصول الذي قاله النووي على ما إذا قرأ لا بحضرة الميت ولم ينو القارئ ثواب قراءته له أو نواه ولم يدع. وقد نص الشافعي والاصحاب على ندب قراءة ما تيسر عند الميت والدعاء عقبها، أي لانه حينئذ أرجى للاجابة، ولان الميت تناله بركة القراءة: كالحي الحاضر قال ابن الصلاح: وينبغي الجزم بنفع: اللهم أوصل ثواب ما قرأته أي مثله، فهو المراد، وإن لم يصرح به لفلان، لانه إذا نفعه الدعاء بما ليس للداعي فماله أولى. ويجري هذا في سائر الاعمال من صلاة وصوم وغيرهما
باب الفرائض
أي مسائل قسمة المواريث جمع فريضة، بمعنى مفروضه. والفرض لغة التقدير، وشرعا هنا نصيب مقدر للوارث، وهو من الرجال عشرة: ابن، وابنه، وأب، وأبوه، وأخ مطلقا، وابنه، إلا من الام، وعم، وابنه، إلا للام، وزوج وذو ولاء. من النساء تسع: بنت، وبنت ابن، وأم، وجدة، وأخت، وزوجة وذات ولاء، ولو فقد الورثة كلهم فأصل المذهب أنه لا يورث ذوو الارحام، ولا يرد على أهل الفرض فيما إذا وجد بعضهم، بل المال لبيت المال، ثم إن لم ينتظم المال رد ما فضل عنهم عليهم غير الزوجين بنسبة الفروض، ثم ذوي الارحام، وهم أحد عشر: ولد بنت، وأخت، وبنت أخ، وعم وعم لام، وخال، وخالة، وعمة، وأبو أم، وأم أبي أم، وولد أخ لام
(الفروض) المقدرة (في كتاب الله) ستة: ثلثان، ونصف، وربع، وثمن وثلث، وسدس
فال( ثلثان) فرض أربعة (لاثنين) فأكثر، (من بنت، وبنت ابن، وأخت لابوين، ولاب
وعصب كلا) من البنت وبنت الابوين، والاخت لابويه أو لاب (أخ ساوى) له في الرتبة والادلاء، فلا يعصب ابن الابن البنت ولا ابن ابن الابن بنت ابن لعدم المساواة في الرتبة. ولا يعصب الاخ لابوين الاخت لاب ولا الاخ لاب الاخت لابوين لعدم المساواة في الادلاء، وإن تساويا في الرتبة
(و) عصب (الاخريين) أي الاخت لابوين أو لاب (الاوليان) وهما البنت وبنت الابن. والمعنى أن الاخت لابوين أو لاب مع البنت أو بنت الابن تكون عصبة، فتسقط أخت لابوين اجتمعت مع بنت أو بنت ابن أخا لاب، كما يسقط الاخ لاب
(ونصف) فرض خمسة (لهن) أي لمن ذكرنا حال كونهن (منفردات) عن أخواتهن وعن معصبهن، (ولزوج ليس لزوجته فرع) وارث، ذكرا كان أو أنثى
(وربع) فرض اثنين (له) أي للزوج (معه) أي مع فرعها، (و) ربع (لها) أي لزوجة فأكثر (دونه) أي دون فرع له
(وثمن لها) أي للزوجة (معه) أي مع فرع لزوجها، (وثلث فرض اثنين لام ليس لميتها فرع) وارث (ولا عدد) اثنان فأكثر (من إخوة) ذكرا كان أو أنثى، (ولولديها) أي ولدي أم فأكثر يستوي فيه الذكر والانثى
(وسدس) فرض سبعة (لاب وجد لميتهما فرع) وارث (وأم لميتها ذلك أو عدد من إخوة) وأخوات اثنان فأكثر (وجدة) أم أب وأم أم، وإن علتا سواء كان معها ولد أم لا. هذا إ لم تدل بذكر بين أنثيين، فإن أدلت به كأم أبي أم لم ترث بخصوص القرابة، لانها من ذوي الارحام (وبنت ابن فأكثر مع بنت أو بنت ابن أعلى) منها (وأخت فأكثر لاب مع أخت لابوين، وواحد من ولد أم) ذكرا كان أو غيره
(وثلث باق) بعد فرض الزوج أو الزوجة (لام مع أحد زوجين وأب)، لا ثلث الجميع ليأخذ الاب مثلي ما تأخذه الام
فإن كانت مع زوج وأب فالمسألة من ستة، للزوج ثلاثة، وللاب اثنان، وللام واحد
وإن كانت مع زوجة وأب فالمسألة من أربعة، للزوجة واحد، وللام واحد، وللاب اثنان
واستبقوا فيهما لفظ الثلث محافظة على الادب في موافقة قوله تعالى: * (وورثه أبواه فلامه الثلث) * وإلا فما تأخذه الام في الاولى سدس وفي الثانية ربع
(ويحجب ولد ابن بابن أو ابن ابن أقرب منه، و) يحجب (جد بأب، و) تحجب (جدة لام بأم) لانها أدلت بها، (و) جدة (لاب بأب) لانها أدلت به، (وأم بالاجماع. (و) يحجب (أخ لابوين بأب وابن وابنه) وإن نزل (و) يحجب (أخ لاب بهما) أي بأب وابن (وبأخ لابوين) وبأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن، كما سيأتي، (و) يحجب أخ (لام بأب) وأبيه، وإن علا، (وفرع) وارث للميت، وإن نزل، ذكرا كان أو غيره، (و) يحجب (إبن أخ لابوين بأب وجد وابن) وابنه، وإن نزل، (وأخ) لابوين أو لاب (و) يحجب (ابن أخ لاب بهؤلاء) الستة، (وبابن أخ لابوين) لانه أقوى منه، ويحجب عم لابوين بهولاء السبعة، وبابن أخ لاب وعم لاب بهؤلاء الثمانية، وبعم لابوين وابن عم لابوين بهؤلاء التسعة، وبعم لاب وابن عم لاب بهؤلاء العشرة، وبابن عم لابوين. ويحجب ابن ابن أخ لابوين بابن أخ لاب لانه أقرب منه، وبنات الابن بابن أو بنتين فأكثر للميت إن لم يعصب أخ أو ابن عم، فإن عصبت به أخذت معه الباقي بعد ثلثي البنتين بالتعصيب والاخوات لاب بأختين لابوين فأكثر، إلا أن يكون معهن ذكر فيعصبهن. ويحجبن أيضا بأخت لابوين معها بنت أو بنت ابن
واعلم
أن إبن الابن كالابن إلا أنه ليس له مع البنت مثلاها، والجدة كالام إلا أنها لا ترث الثلث ولا ثلث الباقي، بل فرضها دائما السدس. والجد كالاب إلا أنه لا يحجب الاخوة لابوين أو لاب، وبنت الابن كالبنت إلا أنها تحجب بالابن والاخ لاب كالاخ لابوين إلا أنه ليس له مع الاخت لابوين مثلاها
(وما فضل) من التركة عمن له فرض من أصحاب الفروض (أو الكل) أي كل التركة إن لم يكن له ذو فرض (لعصبة) وتسقط عند الاستغراق
(وهي ابن ف) بعده (ابنه) وإن سفل (فأب فأبوه) وإن علا (فأخ لابوين و) أخ (لاب فبنوهما) كذلك (فعم لابوين فلاب فبنوهما) كذلك، ثم عم الاب ثم بنوه ثم عم الجد ثم بنوه. وهكذا (ف) بعد عصبة النسب عصبة الولاء، وهو (معتق) ذكرا كان أو أنثى، (ف) بعد المعتق (ذكور عصبته) دون إناثهم ويؤخر هنا الجد عن الاخ وابنه فمعتق المعتق فعصبته. فلو اجتمع بنون وبنات أو إخوة وأخوات فالتركة لهم (للذكر مثل حظ الانثين) وفضل الذكر بذلك لاختصاصه بلزوم ما لا يلزم الانثى من الجهاد وغيره. وولد ابن كولد وأخ لاب كأخ لابوين فيما ذكر
{ فصل في بيان أصول المسائل }
(أصل المسألة عدد الرؤوس إن كانت الورثة عصبات) كثلاثة بنين أو أعمام فأصلها ثلاثة (وقدر الذكر أنثيين إن اجتمعا) أي الصنفان من نسب. ففي ابن وبنت يقسم المتروك على ثلاثة: للابن اثنان، وللبنت واحد
ومخارج الفروض اثنان وثلاثة وأربعة وستة وثمانية واثنا عشر وأربعة وعشرون. فإن كان في المسألة فرضان فأكثر اكتفى عند تماثل المخرجين بأحدهما، كنصفين في مسألة زوج وأخت فهي من الاثنين، وعند تداخلهما بأكثرهما كسدس وثلث في مسألة أم وولديها وأخ لابوين أو لاب فهي من ستة، وكذا يكتفي في زوجة وأبوين. وعند توافقهما بمضروب وفق أحدهما في الآخر، كسدس وثمن في مسألة أم وزوجة وابن، فهي من أربعة وعشرين، حاصل ضرب وفق أحدهما، وهو نصف الستة أو الثمانية، في الآخر، وعند تباينهما بمضروب أحدهما في الآخر، كثلث وربع في مسألة أم وزوجة أخ لابوين أو لاب، فهي من اثني عشر حاصل ضرب ثلاثة في أربعة
(وأصل) مسألة (كل فريضة فيها نصفان) كزوج وأخت لاب (أو نصف وما بقي)، كزوج وأخ لاب (اثنان) مخرج النصف (أو) فيها (ثلثان وثلث) كأختين لاب وأختين لام (أو ثلثان وما بقي) كبنتين وأخ لاب (أو ثلث وما بقي) كأم وعم (ثلاثة) مخرج الثلث (أو) فيها (ربع وما بقي) كزوجه وعم (أربعة) مخرج الربع (أو) فيها (سدس، وما بقي) كأم وابن (أو سدس وثلث) كأم وأخوين لام (أو) سدس (وثلثان) كأم وأختين لاب (أو) سدس ونصف كأم وبنت (ستة) مخرج السدس (أو) فيها (ثمن وما بقي) كزوجة وابن (أو) ثمن (ونصف ما بقي) كزوجة وبنت وأخ لاب (ثمانية) مخرج الثمن (أو) فيها (ربع وسدس) كزوجة وأخ لام (اثنا عشر) مضروب وفق أحد المخرجين في الآخر (أو) فيها (ثمن وسدس) كزوجة وجدة وابن (أربعة وعشرون) مضروب وفق أحدهما في الآخر
(وتعول) من أصول مسائل الفرائض ثلاثة (ستة إلى عشرة) وترا وشفعا. فعولها إلى سبعة كزوج وأختين لغير أم، وإلى ثمانية كهم وأم، وإلى تسعة كهم وأخ لام، وإلى عشرة كهم وأخ آخر لام
(و) تعول اثنا عشر إلى سبعة عشر وترا فعولها إلى ثلاثة عشر كزوجة وأم وأختين لغير أم، وإلى خمسة عشر كهم وأخ لام، وإلى سبعة عشر كهم وأخ آخر لام
(و) تعول (أربعة وعشرون لسبعة وعشرين) فقط كبنتين وأبوين وزوجة، للبنتين ستة عشر وللابوين ثمانية وللزوجة ثلاثة، وتسمى بالمنبرية، لان عليا رضي الله عنه كان يخطب على منبر الكوفة قائلا: الحمد لله الذي يحكم بالحق قطعا ويجزي كل نفس بما تسعى وإليه المآل والرجعى، فسئل حينئذ عن هذه المسألة فقال ارتجالا: صار ثمن المرأة تسعا، ومضى في خطبته. وإنما عالوا ليدخل النقص على الجميع كأرباب الديون والوصايا إذا ضاق المال عن قدر حصتهم
{ فصل في بيان أحكام الوديعة }
صح إيداع محترم بأودعتك هذا أو استحفظتكه، وبخذه مع نية. وحرم على عاجز عن حفظ الوديعة أخذها، وكره على غير واثق بأمانته. ويضمن وديع بإيداع غيره - ولو قاضيا - بلا إذن من المالك، لا إن كان لعذر كمرض وسفر وخوف حرق وإشراف حرز على خراب، وبوضع في غير حرز مثلها، وبنقلها إلى دون حرز مثلها، وبترك دفع متلفاتها كتهوية ثياب صوف أو ترك لبسها عند حاجتها، وبعدول عن الحفظ المأمور به من المالك، وبجحدها وتأخير تسليمها لمالك بلا عذر بعد طلب مالكها، وبانتفاع بها كلبس وركوب بلا غرض المالك، وبأخذ درهم مثلا من كيس فيه دراهم مودعة عنده وإن رد إليه مثله فيضمن الجميع إذا لم يتميز الدرهم المردود عن البقية، لانه خلطها بمال نفسه بلا تمييز، فهو متعد، فإن تميز بنحو سكة أو رد إليه عين الدرهم ضمنه فقط. وصدق وديع - كوكيل وشريك وعامل قراض - بيمين في دعوى ردها على مؤتمنه، لا على وارثه. وفي قوله ما لك عندي وديعة، وفي تلفها مطلقا، أو بسبب خفي كسرقة، أو بظاهر كحريق عرف - دون عمومه - فإن عرف عمومه لم يحلف حيث لا تهمة
{ فائدة }
الكذب حرام، وقد يجب: كما إذا سأل ظالم عن وديعة يريد أخذها فيجب إنكارها وإن كذب، وله الحلف عليه مع التورية. وإذا لم ينكرها ولم يمتنع من إعلامه بها جهده ضمن، وكذا لو رأى معصوما اختفى من ظالم يريد قتله. وقد يجوز كما إذا كان لا يتم مقصود حرب وإصلاح ذات البين وإرضاء زوجته إلا بالكذب فمباح، ولو كان تحت يده وديعة لم يعرف صاحبها وأيس من معرفته بعد البحث التام صرفها فيما يجب على الامام الصرف فيه، وهو أهم مصالح المسلمين مقدما أهل الضرورة وشدة الحاجة - لا في بناء نحو مسجد - فإن جهل ما ذكر دفعه لثقة عالم بالمصالح الواجبة التقديم، والاروع الاعلم أولى
{ فصل في بيان أحاكم اللقطة }
لو التقط شيئا لا يخشى فساده - كنقد ونحاس بعمارة أو مفازة عرفه سنة في الاسواق وأبواب المساجد فإن ظهر مالكه، وإلا تملكه بلفظ تملكت، وإن شاء باعه وحفظ ثمنه. أو ما يخشى فساده - كهريسة وبقل وفاكهة ورطب لا يتتمر - فيتخير ملتقطة بين أكله متملكا له ويغرم قيمته، وبين بيعه، ويعرفه بعد بيعه - ليتملك ثمنه بعد التعريف - فإن ظهر مالكه أعطاه قيمته إن أكله، أو ثمنه إن باعه. وفي التعريف بعد الاكل وجهان: أصحهما في العمارة وجوبه، وفي المفازة قال الامام: والظاهر أنه لا يجب، لانه لا فائدة فيه. ولو وجد ببيته درهما مثلا وجوز أنه لمن يدخلونه عرفه لهم - كاللقطة - قاله القفال. ويعرف حقير لا يعرض عنه غالبا، وقيل هو درهم زمنا يظن أن فاقده يعرض عنه بعده غالبا ويختلف ذلك باختلاف المال: فدانق الفضة حالا، والذهب نحو ثلاثة أيام. أما ما يعرض عنه غالبا - كحبة زبيب - استبد به واجده بلا تعريف. ومن رأي لقطة فرفعها برجله ليعرفها وتركها لم يضمنها. ويجوز أخذ نحو سنابل الحصادين التي اعتيد الاعراض عنها، ولو مما فيه زكاة - خلافا للزركشي - وكذا برادة الحدادين وكسرة الخبز من رشيد ونحو ذلك مما يعرض عنه عادة، فيملكه آخذه، وينفذ تصرفه فيه أخذا بظاهر أحوال السلف. ويحرم أخذ ثمر تساقط إن حوط عليه وسقط داخل الجدار. قال في المجموع: ما سقط خارج الجدار إن لم يعتد إباحته حرم، وإن اعتيدت حل، عملا بالعادة المستمرة المغلبة على الظن إباحتهم له
باب النكاح
وهو لغة الضم والاجتماع. ومنه قولهم تناكحت الاشجار: إذا تمايلت وانضم بعضها إلى بعض. وشرعا عقد يتضمن إباحة وطئ بلفظ إنكاح أو تزويج، وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطئ على الصحيح (سن) أي النكاح (لتائق) أي محتاج للوطئ - وإن اشتغل بالعبادة - (قادر) على مؤنة - من مهر، وكسوة فصل تمكين، ونفقة يومه - للاخبار الثابتة في السنن - وقد أوردت جملة منها في كتابي (إحكام أحكام النكاح) - ولما فيه من حفظ الدين وبقاء النسل. وأما التائق العاجز عن المؤن فالاولى له تركه وكسر حاجته بالصوم - لا بالدواء - وكره لعاجز عن المؤن غير تائق. ويجب بالنذر، حيث ندب
(و) سن (نظر كل) من الزوجين بعد العزم على النكاح وقبل الخطبة (الآخر غير عورة) مقررة في شروط الصلاة. فينظر من الحرة وجهها ليعرف جمالها، وكفيها ظهرا وبطنا ليعرف خصوبة بدنها. وممن بها رق - ما عدا ما بين السرة والركبة - وهما ينظران منه ذلك. ولا بد في حل النظر من تيقنه خلوها من نكاح وعدة، وأن لا يغلب على ظنه أنه لا يجاب. وندب لمن لا يتيسر له النظر أن يرسل نحو امرأة لتتأملها وتصفها له. وخرج بالنظر: المس، فيحرم - إذ لا حاجة إليه
{ مهمة }
يحرم على الرجل - ولو شيخا هما - تعمد نظر شئ من بدن أجنبية - حرة أو أمة - بلغت حدا تشتهى فيه - ولو شوهاء أو عجوزا - وعكسه، خلافا للحاوي - كالرافعي - وإن نظر بغير شهوة أو مع أمن الفتنة على المعتمد، لا في نحو مرآة، كما أفتى به غير واحد وقول الاسنوي، تبعا للروضة، الصواب حل النظر إلى الوجه والكفين عند أمن الفتنة: ضعيف، وكذا اختيار الاذرعي قول جمع يحل نظر وجه وكف عجوز يؤمن من نظرهما الفتنة ولا يحل النظر إلى عنق الحرة ورأسها قطعا. وقيل يحل مع الكراهة النظر بلا شهوة وخوف فتنة إلى الامة إلا ما بين السرة والركبة لانه عورتها في الصلاة. وليس من العورة الصوت فلا يحرم سماعه إلا إن خشي منه فتنة أو التذ به - كما بحثه الزركشي - وأفتى بعض المتأخرين بجواز نظر الصغير للنساء في الولائم والافراح، والمعتمد عند الشيخين عدم جواز نظر فرج صغيرة لا تشتهى، وقيل يكره ذلك. وصحح المتولي حل نظر فرج الصغير إلى التمييز، وجزم به غيره، وقيل يحرم. ويجوز لنحو الام نظر فرجيهما ومسه زمن الرضاع والتربية - للضرورة - وللعبد العدل النظر إلى سيدته المتصفة بالعدالة ما عدا ما بين السرة والركبة كهي. ولمحرم - ولو فاسقا أو كافرا - نظر ما وراء سرة وركبة منها، كنظرها إليه، ولمحرم ومماثل مس ما وراء السرة والركبة. نعم: مس ظهر أو ساق محرمة كأمه وبنته وعكسه لا يحل إلا لحاجة أو شفقة. وحيث حرم نظره حرم مسه بلا حائل لانه أبلغ في اللذة. نعم: يحرم مس وجه الاجنبية مطلقا، وكل ما حرم نظره منه أو منها متصلا حرم نظره منفصلا: كقلامة يد أو رجل، وشعر امرأة وعانة رجل، فيجب مواراتهما وتحتجب - وجوبا مسلمة عن كافرة، وكذا عفيفة عن فاسقة - أي بسحاق، أو زنا، أو قيادة، ويحرم مضاجعة رجلين أو امرأتين عاريين في ثوب واحد، وإن لم يتماسكا أو تباعدا مع اتحاد الفراش، خلافا للسبكي، وبحث استثناء الاب أو الام لخبر فيه بعيد جدا ويجب التفريق بين ابن عشر سنين وأبويه وإخوته في المضجع، وإن نظر فيه بعضهم بالنسبة للاب أو الام. ويستحب تصافح الرجلين أو المرأتين إذا تلاقيا. ويحرم مصافحة الامرد الجميل كنظره بشهوة، ويكره مصافحة من به عاهة كالابرص والاجذم - ويجوز نظر وجه المرأة عند المعاملة ببيع وغيره للحاجة إلى معرفتها، وتعليم ما يجب تعلمه - كالفاتحة - دون ما يسن على الاوجه والشهادة تحملا وأداء لها أو عليها. وتعمد النظر للشهادة لا يضر، وإن تيسر وجود نساء أو محارم يشهدن على الاوجه
(و) يسن (خطبة) - بضم الخاء - من الولي (له) أي للنكاح الذي هو العقد بأن تكون قبل إيجابه، فلا تندب أخرى من المخاطب قبل قبوله - كما صححه في المنهاج - بل يستحب تركها خروجا من خلاف من أبطل بها، كما صرح به شيخنا وشيخه زكريا رحمهما الله - لكن الذي في الروضة وأصلها ندبها. وتسن خطبة أيضا قبل الخطبة، وكذا قبل الاجابة، فيبدأ كل بالحمد والثناء على الله تعالى، ثم بالصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يوصي بالتقوى، ثم يقول في خطبة الخطبة: جئتكم راغبا في كريمتكم - أو فتاتكم - وإن كان وكيلا: قال: جاءكم موكلي، أو جئتكم عنه خاطبا كريمتكم، فيخطب الولي أو نائبه كذلك، ثم يقول لست بمرغوب عنك. ويستحب أن يقول قبل العقد أزوجك على ما أمر الله به عز وجل من إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان
{ فروع }
يحرم التصريح بخطبة المعتدة من غيره رجعية كانت أو بائنا بطلاق أو فسخ أو موت. ويجوز التعريض بها في عدة غير رجعية، وهو: كأنت جميلة، ورب راغب فيك. ولا يحل خطبة المطلقة منه ثلاثا حتى تتحلل وتنقضي عدة المحلل إن طلق رجعيا، وإلا جاز التعريض في عدة المحلل. ويحرم على عالم بخطبة الغير والاجابة له خطبة على خطبة من جازت خطبته وإن كرهت - وقد صرح لفظا بإجابته إلا بإذنه له من غير خوف ولا حياء، أو بإعراضه: كأن طال الزمن بعد إجابته، ومنه سفره البعيد. ومن استشير في خاطب أو نحو عالم يريد الاجتماع به ذكر - وجوبا - مساويه بصدق: بذلا للنصيحة الواجبة
(ودينة) أي نكاح المرأة الدينة التي وجدت فيها صفة العدالة أولى من نكاح الفاسقة ولو بغير نحو زنا، للخبر المتفق عليه فاظفر بذات الدين
(ونسيبة) أي معروفة الاصل وطيبته لنسبتها إلى العلماء والصلحاء أولى من غيرها: لخبر: تخيروا لنطفكم ولا تضعوها في غير الاكفاء وتكره بنت الزنا والفاسق
(وجميلة) أولى: لخبر: خير النساء من تسر إذا نظرت (و) قرابة (بعيدة) عنه ممن في نسبه أولى من قرابة قريبة وأجنبية لضعف الشهوة في القريبة، فيجئ الولد نحيفا. والقريبة من هي في أول درجات العمومة والخوولة، والاجنبية أولى من القرابة القريبة. ولا يشكل ما ذكر بتزوج النبي صلي الله عليه وسلم زينب مع أنها بنت عمته لانه تزوجها بيانا للجواز، ولا بتزوج علي فاطمة رضي الله عنهما لانها بعيدة إذ هي بنت ابن عمه، لا بنت عمه
(وبكر) أولى من الثيب، للامر به في الاخبار الصحيحة. إلا لعذر: كضعف آلته عن الاقتضاض، (وولود) وودود (أولى) للامر بهما. ويعرف ذلك في البكر بأقاربها، والاولى أيضا أن تكون وافرة الععل وحسنة الخلق، وأن لا تكون ذات ولد من غيره إلا لمصلحة، وأن لا تكون شقراء ولا طويلة مهزولة للنهي عن نكاحها. ومحل رعاية جميع ما مر حيث لم تتوقف العفة على غير متصفه بها، وإلا فهي أولى
قال شيخنا في شرح المنهاج
: ولو تعارضت تلك الصفات فالذي يظهر أنه يقدم الدين مطلقا، ثم العقل وحسن الخلق، ثم الولادة، ثم النسب، ثم البكارة، ثم الجمال، ثم ما المصلحة فيه أظهر - بحسب اجتهاده. انتهى. وجزم في شرح الارشاد بتقديم الولادة على العقل. وندب للولي عرض موليته على ذوي الصلاح. ويسن أن ينوي بالنكاح السنة وصون دينه. وإنما يثاب عليه إن قصد به طاعة من نحو عفة أو ولد صالح. وأن يكون العقد في المسجد ويوم الجمعة وأول النهار وفي شوال، وأن يدخل فيه أيضا
(أركانه) أي النكاح خمسة: (زوجة، وزوج، وولي، وشاهدان، وصيغة. وشرط فيها) أي الصيغة (إيجاب من الولي) وهو (كزوجتك أو أنكحتك) موليتي فلانة، فلا يصح الايجاب إلا بأحد هذين اللفظين، لخبر مسلم: إتقوا الله في النساء فإنكم أخذتموهن بأمانة الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله وهي ما ورد في كتابه، ولم يرد فيه غيرهما. ولا يصح بأزوجك أو أنكحك على الاوجه، ولا بكناية كأحللتك ابنتي أو عقدتها لك (وقبول متصل به) أي بالايجاب من الزوج وهو (كتزوجتها أو نكحتها) فلا بد من دال عليها من نحو اسم أو ضمير أو إشارة (أو قبلت أو رضيت) على الاصح - خلافا للسبكي - لا فعلت (نكاحها) أو تزويجها أو قبلت النكاح أو التزويج - على المعتمد - لا قبلت ولا قبلتها مطلقا - أي المنكوحة - ولا قبلته - أي النكاح - والاولى في القبول: قبلت نكاحها لانه القبول الحقيقي
(وصح) النكاح (بترجمة) أي ترجمة أحد اللفظين بأي لغة ولو ممن يحسن العربية لكن يشترط أن يأتي بما يعده أهل تلك اللغة صريحا في لغتهم. هذا إن فهم كل كلام نفسه وكلام الآخر والشاهدان. وقال العلامة التقي السبكي في شرح المنهاج: ولو تواطأ أهل قطر على لفظ في إرادة النكاح من غير صريح ترجمته لم ينعقد النكاح به. انتهى. والمراد بالترجمة ترجمة معناه اللغوي كالضم، فلا ينعقد بألفاظ اشتهرت في بعض الاقطار للانكاح - كما أفتى به شيخنا المحقق الزمزمي - ولو عقد القاضي النكاح بالصيغة العربية لعجمي لا يعرف معناها الاصلي بل يعرف أنها موضوعة لعقد النكاح صح - كذا أفتى به شيخنا، والشيخ عطية - وقال في شرحي الارشاد والمنهاج: أنه لا يضر لحن العامي - كفتح تاء المتكلم، وإبدال الجيم زايا، أو عكسه. وينعقد بإشارة أخرس مفهمة وقيل لا ينعقد النكاح إلا بالصيغة العربية. فعليه يصبر عند العجز إلى أن يتعلم أو يوكل. وحكي هذا عن أحمد. وخرج بقولي متصل ما إذا تخلل لفظ أجنبي عن العقد وإن قل: كأنكحتك ابنتي فاستوص بها خيرا. ولا يضر تخلل خطبة خفيفة من الزوج، وإن قلنا بعدم استحبابها - خلافا للسبكي وابن أبي الشريف - ولا فقل قبلت نكاحها لانه من مقتضى العقد. فلو أوجب ثم رجع عن إيجابه أو رجعت الآذنة في إذنها قبل القبول أو جنت أو ارتدت امتنع القبول
{ فرع }
لو قال الولي زوجتكها بمهر كذا، فقال الزوج قبلت نكاحها ولم يقل على هذا الصداق: صح النكاح بمهر المثل - خلافا للبارزي
(لا) يصح النكاح مع (تعليق) كالبيع بل أولى لاختصاصه بمزيد الاحتياط: كأن يقول الاب للآخر إن كانت بنتي طلقت أو اعتدت فقد زوجتكها فقبل ثم بان انقضاء عدتها وأنها أذنت له: فلا يصح لفساد الصيغة بالتعليق. وبحث بعضهم الصحة في إن كانت فلانة موليتي فقد زوجتكها وفي زوجتك إن شئت كالبيع: إذ لا تعليق في الحقيقة
(و) لا مع (تأقيت) للنكاح بمدة معلومة أو مجهولة فيفسد لصحة النهي عن نكاح المتعة - وهو المؤقت ولو بألف سنة - وليس منه ما لو قال زوجتكها مدة حياتك أو حياتها لانه مقتضى العقد، بل يبقى أثره بعد الموت، ويلزمه في نكاح المتعة المهر والنسب والعدة، ويسقط الحد إن عقد بولي وشاهدين فإن عقد بينه وبين المرأة وجب الحمد إن وطئ: وحيث وجب الحد لم يثبت المهر ولا ما بعده وينعقد النكاح بلا ذكر مهر في العقد بل يسن ذكره فيه. وكره إخلاؤه عنه. نعم، لو زوج أمته بعيده لم يستحب
(و) شرط (في الزوجة) أي المنكوحة (خلو من نكاح وعدة) من غيره (وتعيين) لها. فزوجتك إحدى بناتي باطل ولو مع الاشارة، ويكفي التعيين بوصف أو إشارة كزوجتك بنتي وليس له غيرها أو التي في الدار وليس فيها غيرها أو هذه وإن سماها بغير اسمها في الكل - بخلاف زوجتك فاطمة وإن كان اسم بنته إلا إن نوياها. ولو قال زوجتك بنتي الكبرى وسماها باسم الصغرى صح في الكبرى لان الكبر صفة قائمة بذاتها، بخلاف الاسم فقدم عليه: ولو قال: زوجتك بنتي خديجة فبانت بنت ابنه صح إن نوياها أو عينها بإشارة أو لم يعرف لصلبه غيرها، وإلا فلا
(و) شرط فيها أيضا (عدم محرمية) بينها وبين الخاطب (بنسب فيحرم) به آخر لآية: * (حرمت عليكم) * (نساء قرابة غير) ما دخل في (ولد عمومة وخؤولة) فحينئذ يحرم نكاح أم وهي من ولدتك، أو ولدت من ولدك ذكرا كان أو أنثى وهي الجدة من الجهتين، وبنت وهي من ولدتها أو ولدت من ولدها ذكرا كان أو أنثى - لا مخلوقة من ماء زناه - وأخت، وبنت أخ، وأخت، وعمة وهي أخت ذكر ولدك، وخالة وهي أخت أنثى ولدتك
{ فرع }
لو تزوج مجهولة النسب فاستلحقها أبوه ثبت نسبها ولا ينفسخ النكاح إن كذبه الزوج، ومثله عكسه بأن تزوجت مجهولا فاستلحقه أبوها ولم تصدقه
(أو رضاع فيحرم به) أي بالرضاع (من يحرم بنسب) للخبر المتفق عليه: ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب فمرضعتك ومرضعتها ومرضعة من ولدك من نسب أو رضاع وكل من ولدت مرضعتك أو ذا لبنها، أمك من رضاع، والمرتضعة بلبنك ولبن فرعك نسبا أو رضاعا وبنتها كذلك وإن سفلت بنتك، والمرتضعة بلبن أحد أبويك نسبا أو رضاعا أختك. وقس على هذا بقية الاصناف المتقدمة. ولا يحرم عليك برضاع من أرضعت أخاك أو ولد ولدك ولا أم مرضعة ولدك وبنتها، وكذا أخت أخيك لابيك أو لامك من نسب أو رضاع
{ تنبيه }
الرضاع المحرم وصول لبن آدمية بلغت سن حيض، ولو قطرة، أو مختلطا بغيره - وإن قل - جوف رضيع لم يبلغ حولين يقينا خمس مرات يقينا عرفا، فإن قطع الرضيع إعراضا وإن لم يشتغل بشئ آخر أو قطعته المرضعة ثم عاد إليه فيهما فورا فرضعتان، أو قطعه لنحو لهو كنوم خفيف وعاد حالا أو طال والثدي بفمه أو تحول ولو بتحويلها من ثدي لآخر أو قطعته لشغل خفيف ثم عادت إليه فلا تعدد في جميع ذلك، وتصير المرضعة أمه، وذو اللبن أباه
وتسري الحرمة من الرضيع إلى أصولهما وفروعهما وحواشيهما نسبا ورضاعا، وإلى فروع الرضيع - لا إلى أصوله وحواشيه
ولو أقر رجل وامرأة قبل العقد أن بينهما أخوة رضاع وأمكن حرم تناكحهما، وإن رجعا عن الاقرار أو بعده فهو باطل، فيفرق بينهما. وإن أقر به فأنكرت صدق في حقه، ويفرق بينهما أو أقرت به دونه. فإن كان بعد أن عينته في الاذن للتزويج أو مكنته من وطئه إياها لم يقبل قولها، وإلا صدقت بيمينها ولا تسمع دعوى نحو أب محرمية بالرضاع بين الزوجين
ويثبت الرضاع برجل وامرأتين، وبأربع نسوة ولو فيهن أم المرضعة إن شهدت حسبة بلا سبق دعوى كشهادة أب امرأة وابنها بطلاقها كذلك. وتقبل شهادة مرضعة مع غيرها لم تطلب أجرة الرضاع وإن ذكرت فعلها كأشهد أني أرضعتها. وشرط شهادة الرضاع ذكر وقت الرضاع، وعدده، وتفرق المرات، ووصول اللبن إلى جوفه في كل رضعة. ويعرف بنظر حلب وإيجار وازدراد، وبقرائن كامتصاص ثدي وحركة حلقة بعد علمه أنها ذات لبن وإلا لم يحل له أن يشهد لان الاصل عدم اللبن. ولا يكفي في أداء الشهادة ذكره القرائن بل يعتمدها ويجزم بالشهادة
ولو شهد به دون النصاب أو وقع شك في تمام الرضعات أو الحولين أو وصول اللبن إلى جوف الرضيع لم يحرم النكاح، لكن الورع الاجتناب وإن لم تخبره إلا واحدة. نعم إن صدقها يوم الاخذ بقولها ولا يثبت الاقرار بالرضاع إلا برجلين عدلين
(أو مصاهرة) محرم زوجة أصل من أب أو جد لاب أو أم وإن علا من نسب أو رضاع
(وفصل) من ابن وابنه وإن سفل منهما
(وأصل زوجة) أي أمهاتها بنسب أو رضاع وإن علت وإن لم يدخل بها للآية. وحكمته ابتلاء الزوج بمكالمتها والخلوة لترتيب أمر الزوجة فحرمت كسابقتيها بنفس العقد ليتمكن من ذلك
واعلم
أنه يعتبر في زوجتي الاب والابن وفي أم الزوجة عند عدم الدخول بهن أن يكون العقد صحيحا
(وكذا فصلها) أي الزوجة بنسب أو رضاع ولو بواسطة سواء بنت ابنها وبنت ابنتها وإن سفلت (إن دخل بها) بأن وطئها ولو في الدبر وإن كان العقد فاسدا، وإن لم يطأها لم تحرم بنتها - بخلاف أمها
ولا تحرم بنت زوج الام ولا أم زوجة الاب والابن. ومن وطئ امرأة بملك أو شبهة منه كأنه وطئ بفاسد نكاح أو شراء أو بظن زوجة حرم عليه أمهاتها وبناتها وحرمت على آبائه وأبنائه لان الوطئ بملك اليمين نازل بمنزلة عقد النكاح وبشبهة يثبت النسب والعدة لاحتمال حملها منه سواء أوجد منها شبهة أيضا أم لا، لكن يحرم على الواطئ بشبهة نظر أم الموطوءة وبنتها ومسهما
{ فرع }
لو اختطلت محرمة بنسوة غير محصورات بأن يعسر عدهن على الآحاد كألف امرأة نكح من شاء منهن إلى أن تبقى واحدة على الارجح وإن قدر ولو بسهولة على متيقنة الحل أو بمحصورات كعشرين بل مائة لم ينكح منهن شيئا. نعم إن قطع بتميزها كسوداء اختلطت بمن لا سواد فيهن لم يحرم غيرها - كما استظهره شيخنا
{ تنبيه }
اعلم أنه يشترط أيضا في المنكوحة كونها مسلمة أو كتابية خالصة ذمية كانت أو حربية، فيحل مع الكراهة نكاح الاسرائيلية بشرط أن لا يعلم دخول أول آبائها في ذلك الدين بعد بعثة عيسى عليه السلام وإن علم دخوله فيه بعد التحري، ونكاح غيرها بشرط أن يعلم دخول أول آبائها فيه قبلها ولو بعد التحريف إن تجنبوا المحرف، ولو أسلم كتابي وتحته كتابية دام نكاحه وإن كان قبل الدخول أو وثني وتحته وثنية فتخلفت قبل الدخول تنجزت الفرقة أو بعده وأسلمت في العدة دام نكاحه، وإلا فالفرقة من إسلامه. ولو أسلمت وأصر على الكفر: فإن دخل بها وأسلم في العدة دام النكاح، وإلا فالفرقة من إسلامها. وحيث أدمنا لا يضر مقارنة مفسد هو زائل عند الاسلام فتقر على نكاح في عدة هي منقضية عند الاسلام وعلى غصب حربي لحربية إن اعتقدوه نكاحا. وكالغصب المطاوعة. قاله شيخنا. ونكاح الكفار صحيح، على الصحيح، ولا يصح نكاح الجنية كعكسه على ما عليه أكثر المتأخرين
(و) شرط (في الزوج تعيين) فزوجت بنتي أحدكما باطل ولو مع الاشارة (وعدم محرمة) كأخت أو عمة أو خالة (للمخطوبة) بنسب أو رضاع (تحته) أي الزوج ولو في العدة الرجعية لان الرجعية كالزوجة بدليل التوارث. فإن نكح محرمين في عقد بطل فيهما: إذ لا مرجح، أو في عقدين بطل الثاني. وضابط من يحرم الجمع بينهما كل امرأتين بينهما نسب أو رضاع يحرم تناكحهما إن فرضت إحداهما ذكرا ويشترط أيضا أن لا تكون تحته أربع من الزوجات سوى المخطوبة ولو كان بعضهن في العدة الرجعية لان الرجعية في حكم الزوجة، فلو نكح الحر خمسا مرتبا بطل في الخامسة أو في عقد بطل في الجميع أو زاد العبد على الثنتين بطل كذلك. أما إذا كانت المحرمة للمخطوبة أو إحدى الزوجات الاربعة في العدة البائن فيصح نكاح محرمتها والخامسة لان البائنة أجنبية
(و) شرط (في الشاهدين أهلية شهادة) تأتي شروطها في باب الشهادة وهي حرية كاملة وذكورة محققة وعدالة ومن لازمها الاسلام والتكليف وسمع ونطق وبصر لما يأتي أن الاقوال لا تثبت إلا بالمعاينة والسماع. وفي الاعمى وجه لانه أهل للشهادة في الجملة، الاصح لا وإن عرف الزوجين، ومثله من بظلمة شديدة ومعرفة لسان المتعاقدين. (وعدم تعينهما) أو أحدهما (للولاية) فلا يصح النكاح بحضرة عبدين أو امرأتين أو فاسقين أو أصمين أو أخرسين أو أعميين أو من لم يفهم لسان المتعاقدين ولا بحضرة متعين للولاية. فلو وكل الاب أو الاخ المنفرد في النكاح وحضر مع الآخر لم يصح لانه ولي عاقد فلا يكون شاهدا. ومن ثم لو شهد أخوان من ثلاثة وعقد الثالث بغير وكالة من أحدهما صح، وإلا فلا
{ تنبيه }
لا يشترط الاشهاد على إذن معتبرة الاذن لانه ليس ركنا للعقد، بل هو شرط فيه، فلم يجب الاشهاد عليه إن كان الولي غير حاكم وكذا إن كان حاكما على الاوجه. ونقل في البحر عن الاصحاب أنه يجوز اعتماد صبي أرسله الولي إلى غيره ليزوج موليته: أي إن وقع في قلبه صدق الخبر
{ فرع }
لو زوجها وليها قبل بلوغ إذنها إليه صح على الاوجه إن كان الاذن سابقا على حالة التزويج، لان العبرة في العقود بما في نفس الامر - لا بما في ظن المكلف
(وصح) النكاح (بمستوري عدالة) وهما من لم يعرف لهما مفسق، كما نص عليه، واعتمده جمع، وأطالوا فيه. وبطل الستر بتجريح عدل وإذا تاب الفاسق لم يلتحق بالمستور. ويسن استتابة المستور عند العقد. ولو علم الحاكم فسق الشاهدين لزمه التفريق بين الزوجين ولو قبل الترافع إليه على الاوجه. ويصح أيضا بابني الزوجين أو عدويهما. وقد يصح كون الاب شاهدا أيضا: كأن تكون بنته قنة. وظاهر كلام الحناطي - بل صريحه - أنه لا يلزم الزوج البحث عن حال الولي والشهود. قال شيخنا: وهو كذلك إن لم يظن وجود مفسد للعقد
(وبان بطلانه) أي النكاح (بحجة فيه) أي في النكاح من بينة أو علم حاكم (أو بإقرار الزوجين في حقهما بما يمنع صحته) كفسق الشاهد أو الولي عند العقد والرق والصبا لهما وكوقوعه في العدة. وخرج بفي حقهما حق الله تعالى كأن طلقها ثلاثا ثم اتفقا على فساد النكاح بشئ مما ذكر وأراد نكاحا جديدا فلا يقيل إقرارهما، بل لا بد من محلل للتهمة، ولانه حق الله، ولو أقاما عليه بينة لم تسمع. أما بينة الحسبة فتسمع. نعم محل عدم قبول إقرارهما في الظاهر، أما في الباطن فالنظر لما في نفس الامر ولا يتبين البطلان بإقرار الشاهدين بما يمنع الصحة فلا يؤثر في الابطال، كما لا يؤثر فيه بعد الحكم بشهادتهما، ولان الحق ليس لهما فلا يقبل قولهما. أما إذا أقر به الزوج دون الزوجة فيفرق بينهما مؤاخذة له بإقراره وعليه نصف المهر إن لم يدخل بها وإلا فكله: إذ لا يقبل قوله عليها في المهر بخلاف ما إذا أقرت به دونه فيصدق هو بيمينه لان العصمة بيده وهي تريد رفعها فلا تطالبه بمهر إن طلقت قبل وطئ، وعليه إن وطئ الاقل من المسمى ومهر المثل. ولو أقرت بالاذن ثم ادعت أنها إنما أذنت بشرط صفة في الزوج ولم توجد ونفى الزوج ذلك صدقت بيمينها فيما استظهره شيخنا
(و) إذا اختلفا فادعت أنها محرمة بنحو رضاع وأنكر (حلفت مدعية محرمية) وصدقت وبان بطلان النكاح فيفرق بينهما إن (لم ترضه) أي الزوج حال العقد ولا عقبه لاجبارها أو أذنها في غير معين ولم ترض بعد العقد بنطق ولا تمكين لاحتمال ما تدعيه مع عدم سبق مناقضه، فهو كقولها ابتداء فلان أخي من الرضاع فلا تزوج منه. فإن رضيت ولم تعتذر بنحو نسيان أو غلط لم تسمع دعواها (و) إن اعتذرت سمعت دعواها للعذر ولكن (حلف) هو أي الزوج (لراضية اعتذرت) بنسيان أو غلط
(و) شرط (في الولي عدالة وحرية وتكليف) فلا ولاية لفاسق غير الامام الاعظم لان الفسق نقص يقدح في الشهادة فيمنع الولاية كالرق. هذا هو المذهب للخبر الصحيح لا نكاح إلا بولي مرشد أي عدل. وقال بعضهم: إنه يلي. والذي اختاره النووي - كابن الصلاح والسبكي - ما أفتى به الغزالي من بقاء الولاية للفاسق حيث تنتقل لحاكم فاسق. ولو تاب الفاسق توبة صحيحة زوج حالا على ما اعتمده شيخنا كغيره، لكن الذي قاله الشيخان إنه لا يزوج إلا بعد الاستبراء، - واعتمده السبكي - ولا لرقيق كله أو بعضه لنقصه ولا لصبي ومجنون لنقصهما أيضا وإن تقطع الجنون تغليبا لزمنه المقتضي لسلب العبارة فيزوج الابعد زمنه فقط ولا تنتظر إفاقته. نعم: إن قصر زمن الجنون كيوم في سنة انتظرت إفاقته، وكذي الجنون ذو ألم يشغله عن النظر بالمصلحة ومختل النظر بنحو هرم ومن به بعد الافاقة آثار خبل توجب حدة في الخلق
(وينقل ضد كل) من الفسق والرق والصبا والجنون (ولاية لابعد) لا لحاكم - ولو في باب الولاء - حتى لو أعتق شخص أمة ومات عن ابن صغير وأخ كبير كانت الولاية للاخ لا للحاكم على المعتمد. ولا ولاية أيضا لانثى فلا تزوج امرأة نفسها - ولو بإذن من وليها - ولا بناتها خلافا لابي حنيفة فيهما. ويقبل إقرار مكلفة به لصدقها وإن كذبها وليها لان النكاح حق الزوجين فيثبت بتصادقهما
(وهو) أي الولي (أب ف) - عند عدمه حسا أو شرعا (أبوه) وإن علا (فيزوجان) أي الاب والجد حيث لا عداوة ظاهرة (بكرا أو ثيبا بلا وطئ) لمن زالت بكارتها بنحو إصبع (بغير إذنها) فلا يشترط الاذن منها بالغة كانت أو غير بالغة لكمال شفقته ولخبر الدارقطني: الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر يزوجها أبوها (لكف ء) موسر بمهر المثل، فإن زوجها المجبر - أي الاب أو الجد - لغير كف ء لم يصح النكاح، وكذا إن زوجها لغير موسر بالمهر على ما اعتمده الشيخان، لكن الذي اختاره جمع محققون الصحة في الثانية، واعتمده شيخنا ابن زياد. ويشترط لجواز مباشرته لذلك - لا لصحته - كونه بمهر المثل الحال من نقد البلد فإن انتفيا صح بمهر المثل من نقد البلد
{ فرع }
لو أقر مجبر بالنكاح لكف ء قبل إقراره وإن أنكرته لان من ملك الانشاء ملك الاقرار، بخلاف غيره
(لا) يزوجان (ثيبا بوطئ) ولو زنا وإن كانت ثيوبتها بقولها إن حلفت (إلا بإذنها نطقا) للخبر السابق (بالغة) فلا تزوج الثيب الصغيرة العاقلة الحرة حتى تبلغ لعدم اعتبار إذنها، خلافا لابي حنيفة رضي الله عنه
(وتصدق) المرأة البالغة (في) دعوى (بكارة) بلا يمين وفي ثيوبة قبل عقد عليها (بيمينها) وإن لم تتزوج ولم تذكر سببا، فلا تسئل عن السبب الذي صارت به ثيبا. وخرج بقولي قبل عقد دعواها الثيوبة بعد أن يزوجها الاب بغير إذنها بظنه بكرا فلا تصدق هي لما في تصديقها من إبطال النكاح مع أن الاصل بقاء البكارة، بل لو شهدت أربع نسوة بثيوبتها عند العقد لم يبطل لاحتمال إزالتها بنحو أصبع أو خلقت بدونها. وفي فتاوى الكمال الرداد: يجوز للاب تزويج صغيرة أخبرته أن الزوج الذي طلقها لم يطأها: أي إذا غلب على ظنه صدق قولها وإن عاشرها الزوج أياما، ولا ينتظر بلوغه للتزويج
(ثم) بعد الاصل (عصبتها وهو) من على حاشية النسب فيقدم (أخ لابوين فأخ لاب فبنوهما) كذلك فيقدم بنو الاخوة لابوين ثم بنو الاخوة لاب (ف) بعد ابن الاخ (عم) لابوين ثم لاب ثم بنوهما كذلك ثم عم الاب ثم بنوه كذلك وهكذا. (ثم) بعد فقد عصبة النسب من كان عصبة بولاء كترتيب إرثهم فيقدم (معتق فعصباته) ثم معتق المعتق ثم عصباته وهكذا
(فيزوجون) أي الاولياء المذكورين على ترتيب ولا (يتهم بالغة) لا صغيرة - خلافا لابي حنيفة (بإذن ثيب بوطئ نطقا) لخبر الدارقطني السابق، ويجوز الاذن منها بلفظ الوكالة كوكلتك في تزويجي ورضيت بمن يرضاه أبي أو أمي أو بما يفعله أبي لا بما تفعله أمي لانها لا تعقد ولا إن رضي أبي أو أمي للتعليق وبرضيت فلانا زوجا أو رضيت أن أزوج. وكذا بأذنت له أن يعقد لي وإن لم تذكر نكاحا - على ما بحث - ولو قيل لها أرضيت بالتزويج ؟ فقالت رضيت كفى (وصمت بكر) ولو عتيقة (استوءذنت) في كف ء وغيره وإن بكت، لكن من غير صياح أو ضرب حد: لخبر: والبكر تستأمر، وإذنها سكوتها وخرج بثيب بوطئ مزالة البكارة بنحو إصبع فحكمها حكم البكر في الاكتفاء بالسكوت بعد الاستئذان. ويندب للاب والجد استئذان البكر البالغة تطييبا لخاطرها، أما الصغيرة فلا إذن لها وبحث ندبه في المميزة ولغيرهما الاشهاد على الاذن
{ فرع }
لو أعتق جماعة أمة اشترط رضا كلهم فيوكلون واحدا منهم أو من غيرهم. ولو أراد أحدهم أن يتزوجها زوجه الباقون مع القاضي: فإن مات جميعهم كفى رضا كل واحد من عصبة كل واحد، ولو اجتمع عدد من عصبات المعتق في درجة جاز أن يزوجها أحدهم برضاها وإن لم يرض الباقون
(ثم) بعد فقد عصبة النسب والولاء (قاض) أو نائبه لقوله صلي الله عليه وسلم: السلطان ولي من لا ولي لها والمراد من له ولاية من الامام والقضاة ونوابهم
(فيزوج) أي القاضي (بكف ء) لا بغيره (بالغة) كائنة في محل ولايته حالة العقد ولو مجتازة به وإن كان إذنها له وهي خارجة، أما إذا كانت خارجة عن محل ولايته حالته فلا يزوجها وإن أذنت له قبل خروجها منه أو كان هو فيه لان الولاية عليها لا تتعلق بالخاطب. وخرج بالبالغة اليتيمة فلا يزوجها القاضي ولو حنفيا لم يأذن له سلطان حنفي فيه. وتصدق المرأة في دعوى البلوغ بحيض أو إمناء بلا يمين: إذ لا يعرف إلا منها في دعوى البلوغ بالسن إلا ببينة خبيرة تذكر عدد السنين
(وعدم وليها) الخاص بنسب أو ولاء
(أو غاب) أي أقرب أوليائها (مرحلتين) وليس له وكيل حاضر في التزويج وتصدق المرأة في دعوى غيبة الولي وخلوها من النكاح والعدة وإن لم تقم بينة بذلك. ويسن طلب بينة بذلك منها، وإلا فتحليفها. ولو زوجها لغيبة الولي فبان أنه قريب من بلد العقد وقت النكاح لم ينعقد إن ثبت قربه. فلا يقدح في صحة النكاح مجر قوله كنت قريبا من البلد، بل لا بد من بينة على الاوجه، خلافا لما نقله الزركشي والشيخ زكريا عن فتاوي البغوي
(أو) غاب إلى دونهما لكن (تعذر وصول إليه) أي إلى الولي (لخوف) في الطريق من القتل أو الضرب أو أخذ المال
(أو فقد) أي الولي بأن لم يعرف مكانه ولا موته ولا حياته بعد غيبة أو حضور قتال أو انكسار سفينة أو أسر عدو. هذا إن لم يحكم بموته، وإلا زوجها الابعد
(أو عضل) الولي ولو مجبر أي منع (مكلفة) أي بالغة عاقلة (دعت إلى) تزويجها من (كف ء) ولو بدون مهر المثل من تزويجها به
{ فروع }
لا يزوج القاضي إن عضل مجبر من تزويجها بكف ء عينته وقد عين هو كفؤ آخر غير معينها وإن كان معينة دون معينها كفاءة. ولا يزوج غير المجبر ولو أبا أو جدا بأن كانت ثيبا إلا ممن عينته وإلا كان عاضلا. ولو ثبت تواري الولي أو تعززه زوجها الحاكم. وكذا يزوج القاضي إذا أحرم الولي أو أراد نكاحها كابن عم فقد من يساويه في الدرجة ومعتق فلا يزوج الابعد في الصور المذكورة لبقاء الاقرب على ولايته. وإنما يزوج للقاضي أو طفله إذا أراد نكاح من ليس لها ولي قاض آخر بمحل ولايته إذا كانت المرأة في عمله أو نائب القاضي الذي يتزوج هو أو طفله
(ثم) إن لم يوجد ولي ممن مر فيزوجها (محكم عدل) حر ولته مع خاطبها أمرها ليزوجها منه وإن لم يكن مجتهدا إذا لم يكن ثم قاض ولو غير أهل، وإلا فيشترط كون المحكم مجتهدا
قال شيخنا
: نعم إن كان الحاكم لا يزوج إلا بدراهم، كما حدث الآن - فيتجه أن لها أن تولي عدلا مع وجوده وإن سلمنا أنه لا ينعزل بذلك بأن علم موليه ذلك منه حال التولية. انتهى. ولو وطئ في نكاح بلا ولي كأن زوجت نفسها ولم يحكم حاكم بصحته ولا ببطلانه لزمه مهر المثل دون المسمى لفساد النكاح ويعزر به معتقد تحريمه ويسقط عند الحد
(و) يجوز (لقاض تزويج من قالت أنا خلية عن نكاح وعدة) أو طلقني زوجي واعتددت (ما لم يعرف لها زوجا) معينا (وإلا) أي وإن عرف لها زوجا باسمه أو شخصه أو عينته (شرط) في صحة تزويج الحاكم لها دون الولي الخاص (إثبات لفراقه) بنحو طلاق أو موت - سواء أغاب أم حضر - وإنما فرقوا بين المعين وغيره - مع أن المدار والعلم يسبق الزوجية أو بعدمه حتى يعمل بالاصل في كل منهما - لان القاضي لما تعين الزوج عنده باسمه أو شخصه تأكد له الاحتياط والعمل بأصل بقاء الزوجية فاشترط الثبوت، ولانها لما ذكرت معينا باسم العلم كأنها ادعت عليه، بل صرحوا بأنها دعوى عليه فلا بد من إثبات ذلك - بخلاف ما إذا عرف مطلق الزوجية من غير تعيين بما ذكر فاكتفي بإخبارها بالخلو عن الموانع. لقول الاصحاب: إن العبرة في العقود بقول أربابها. وأما الولي الخاص فيزوجها إن صدقها وإن عرف زوجها الاول من غير إثبات طلاق ولا يمين، لكن يسن له - كقاض لم يعرف زوجها - طلبت إثبات ذلك، ولا فرق بين القاضي والولي حيث فصل بين المعين وغيره في ذلك دون هذا لان القاضي يجب عليه الاحتياط أكثر من الولي
(و) يجوز (لمجبر) وهو الاب والجد - في البكر (توكيل) معين صح تزوجه في تزويج موليته بغير إذنها وإن لم يعين المجبر الزوج في توكيله (وعلى وكيل) إن لم يعين الولي الزوج (رعاية حظ) واحتياط في أمرها، فإن زوجها بغير كف ء أو بكف ء وقد خطبها أكفأ منه لم يصح التزويج لمخالفته الاحتياط الواجب عليه
(و) يجوز التوكيل (لغيره) أي غير المجبر بأن لم يكن أبا ولا جدا في البكر أن كانت موليته ثيبا فليوكل (بعد إذن) حصل منها (له فيه) أي التزويج إن لم تنهه عن التوكيل. وإذا عينت للولي رجلا فليعينه للوكيل وإلا لم يصح تزيجه. ولو لمن عينته لان الاذن المطلق مع أن المطلوب معين فاسد. وخرج بقولي بعد إذنها للولي في التزويج ما لو وكله قبل إذنها له فيه فلا يصح التوكيل ولا النكاح. نعم: لو وكل قبل أن يعلم إذنها له ظانا جواز التوكيل قبل الاذن فزوجها الوكيل صح إن تبين أنها كانت أذنت قبل التوكيل لان العبرة في العقود بما في نفس الامر لا بما في ظن المكلف وإلا فلا
{ فروع }
لو زوج القاضي امرأة قبل ثبوت توكيله بل بخبر عدل نفذ وصح، لكنه غير جائز لانه تعاطى عقدا فاسدا في الظاهر - كما قاله بعض أصحابنا - ولو بلغت الولي امرأة إذن موليته فيه فصدقها ووكل القاضي فزوجها صح التوكيل والتزويج. ولو قالت امرأة لوليها أذنت لك في تزويجي لمن أراد تزويجي الآن وبعد طلاقي وانقضاء عدتي صح تزويجه بهذا الاذن ثانيا، فلو وكل الولي أجنبيا بهذه الصفة صح تزويجه ثانيا أيضا لانه وإن لم يملكه حال الاذن لكنه تابع لما ملكه حال الاذن - كما أفتى به الطيب الناشري، وأقره بعض أصحابنا. ولو أمر القاضي رجلا بتزويج من لا ولي لها قبل استئذانها فيه فزوجها بإذنها جاز بناء على الاصح إن استنابته في شغل معين استخلاف لا توكيل
{ فرع }
لو استخلف القاضي فقيها في تزويج امرأة لم يكف استخلاف لا توكيل الكتاب فقط بل يشترط اللفظ عليه منه، وليس للمكتوب إليه الاعتماد على الخط. هذا ما في أصل الروضة. وتضعيف البلقيني له مردود بتصريحهم بأن الكتابة وحدها لا تفيد في الاستخلاف، بل لا بد من إشهاد شاهدين على ذلك: قاله شيخنا في شرحه الكبير
(و) يجوز (لزوج توكيل في قبوله) أي النكاح فيقول وكيل الولي للزوج زوجتك فلانة بنت فلان ابن فلان ثم يقول موكلي أو وكالة عنه إن جهل الزوج أو الشاهدان وكالته وإلا لم يشترط ذلك وإن حصل العلم بأخبار الوكيل. ويقول الولي لوكيل الزوج زوجت بنتي لفلان بن فلان، فيقول وكيله كما يقول ولي الصبي حين يقبل النكاح له قبلت نكاحها له. فإن ترك لفظة له فيهما لم يصح النكاح وإن نوى الموكل أو الطفل كما لو قال زوجتك بدل فلان لعدم التوافق، فإن ترك لفظة له في هذه انعقد للوكيل وإن نوى موكله
{ فروع }
من قال أنا وكيل في تزويج فلانة فلمن صدقه قبول النكاح منه ويجوز لمن أخبره عدل بطلاق فلان أو موته أو توكيله أن يعمل به بالنسبة لما يتعلق بنفسه وكذا خطه الموثوق به، وأما بالنسبة لحق الغير أو لما يتعلق بالحاكم فلا يجوز اعتماد عدل ولا خط قاض من كل ما ليس بحجة شرعية
{ فرع : يزوج عتيقة امرأة حية }
عدم ولي عتيقتها نسبا (وليها) أي المعتقة تبعا لولايته عليها فيزوجها أبو المعتقة ثم جدها بترتيب الاولياء ولا يزوجها ابن المعتقة ما دامت حية (بإذن عتيقة) ولو لم ترض المعتقة: إذ لا ولاية لها، فإذا ماتت المعتقة، زوجها ابنها (و) يزوج (أمة) امرأة (بالغة) رشيدة (وليها) أي ولي السيدة (بإذنها وحدها) لانها المالكة لها، فلا يعتبر إذن الامة لان لسيدتها إجبارها على النكاح. ويشترط أن يكون إذن السيدة نطقا وإن كانت بكرا (و) يزوج (أمة صغيرة بكر أو صغير أب) فأبوه (لغبطة) وجدت كتحصيل مهر أو نفقة (لا يزوج عبدهما) لانقطاع كسبه عنهما - خلافا لمالك - إن ظهرت مصلحة ولا أمة ثيب صغيرة لانه لا يلي نكاح مالكتها. ولا يجوز للقاضي أن يزوج أمة الغائب وإن احتاجت إلى النكاح وتضررت بعدم النفقة. نعم: إن رأى القاضي بيعها لان الحظ فيه للغائب من الانفاق عليها باعها
(و) يزوج (سيد) بالملك ولو فاسقا (أمته) المملوكة كلها له لا المشتركة ولو باغتنام بينه وبين جماعة أخرى بغير رضا جميعهم (ولو) بكرا (صغيرة) أو ثيبا غير بالغة أو كبيرة بلا إذن منها لان النكاح يرد على منافع البضع وهي مملوكة له وله إجبارها عليه لكن لا يزوجها لغير كف ء بعيب مثبت للخيار أو فسق أو حرفة دنيئة إلا برضاها، وله تزويجها برقيق ودنئ نسب لعدم النسب لها. وللمكتب لا لسيده تزويج أمته إن أذن له سيده فيه. ولو طلبت الامة تزويجها لم يلزم السيد لانه ينقص قيمتها قال شيخنا: يزوج الحاكم أمة كافر أسلمت بإذنه والموقوفة بإذن الموقوف عليهم - أي إن انحصروا وإلا لم تزوج فيما يظهر
(ولا ينكح عبد) ولو مكاتبا (إلا بإذن سيده) ولو كان السيد أنثى سواء أطلق الاذن أم قيد بامرأة معينة أو قبيلة فينكح بحسب إذنه. ولا يعدل عما أذن له فيه مراعاة لحقه. فإن عدل عنه لم يصح النكاح ولو نكح العبد بلا إذن سيده بطل النكاح. ويفرق بينهما خلافا لمالك فإن وطئ فلا شئ عليه لرشيدة مختارة. أما السفيهة والصغيرة فيلزم فيهما مهر المثل. ولا يجوز للعبد ولو مأذونا في التجارة أو مكاتبا أن يتسرى وإن جاز له النكاح بالاذن لان المأذون له لا يملك ولضعف الملك في المكاتب. ولو طلب العبد النكاح لا يجب على السيد إجابته ولو مكاتبا: ولا يصدق مدعي عتق من عبد أو أمة إلا بالبينة المعتبرة الآتي بيانها في باب الشهادة وصدق مدعي حرية أصالة بيمين ما لم يسبق إقرار برق أو لم يثبت لان الاصل الحرية
{ فصل في الكفاءة }
وهي معتبرة في النكاح لا لصحته، بل لانها حق للمرأة والولي فلهما إسقاطها (لا يكافئ حرة) أصلية أو عتيقة ولا من لم يمسها الرق أو آباءها أو الاقرب إليها منهم غيرها بأن لا يكون مثلها في ذلك ولا أثر لمس الرق في الامهات (ولا عفيفة) وسنية وغيرهما من فاسق ومبتدع، فالفاسق كف ء للفاسقة: أي إن استوى فسقهما (و) لا (نسيبة) من عربية وقرشية وهاشمية أو مطلبية غيرها يعني لا يكافئ عربية أبا غيرها من العجم وإن كانت أمة عربية، ولا قرشية غيرها من بقية العرب، ولا هاشمية أو مطلبية غيرهما من بقية قريش. وصح: نحن وبنو المطلب شئ واحد فهما متكافئان. ولا يكافئ من أسلم بنفسه من لها أب أو أكثر في الاسلام، ومن له أبوان لمن لها ثلاثة آباء فيه على ما صرحوا به، لكن حكى القاضي أبو الطيب وغيره فيه وجها أنهما كفآن واختاره الروياني. وجزم به صاحب العباب. (و) لا (سليمة من حرف دنيئة)، وهي ما دلت ملابسته على انحطاط المروءة، غيرها، فلا يكافئ من هو أو أبوه حجام أو كناس أو راع بنت خياط ولا هو بنت تاجر، وهو من يجلب البضائع من غير تقييد بجنس، أو بزاز، وهو بائع البز ولا هما بنت عالم أو قاض عادل. قال الروياني: وصوبه، الاذرعي ولا يكافئ عالمة جاهل، خلافا للروضة والاصح أن اليسار لا يعتبر في الكفاءة لان المال ظل زائل ولا يفتخر أهل المروءات والبصائر (و) لا سليمة حال العقد (من عيب) مثبت لخيار (نكاح) لجاهل به حالته كجنون ولو متقطعا، وإن قل، وهو مرض يزول به الشعور من القلب (وجذام) مستحكم وهي علة يحمر منها العضو ثم يسود ثم يتقطع (وبرص) مستحكم وهو بياض شديد يذهب دموية الجلد، وإن قلا، وعلامة الاستحكام في الاول اسوداد العضو. وفي الثاني عدم احمراره عند عصره (غير) ممن به عيب لان النفس تعاف صحبة من به ذلك ولو كان بها عيب أيضا فلا كفاءة وإن اتفقا أو كان ما بها أقبح. أما العيوب التي لا تثبت الخيار فلا تؤثر، كالعمى وقطع الطرف وتشوه الصورة، خلافا لجمع متقدمين
{ تتمة }
ومن عيوب النكاح رتق وقرن فيها وجب وعنة فيه فلكل من الزوجين الخيار فورا في فسخ النكاح بما وجد من العيوب المذكورة في الآخر بشرط أن يكون بحضور الحاكم. وليس منها استحاضة وبخر وصنان وقروح سيالة وضيق منفذ. ويجوز لكل من الزوجين خيار بخلف شرط وقع في العقد لا قبله كأن شرط في أحد الزوجين حرية أو نسب أو جمال أو يسار أو بكارة أو شباب أو سلامة من عيوب كزوجتك بشرط أنها بكر أو حرة مثلا، فإن بان أدنى مما شرط فله فسخ ولو بلا قاض ولو شرطت بكارة فوجدت ثيبا وادعت ذهابها عنده فأنكر صدقت بيمينها لدفع الفسخ أو ادعت افتضاضه لها فأنكر فالقول قولها بيمينها لدفع الفسخ أيضا، لكن يصدق هو بيمينه لتشطير المهر إن طلق قبل الدخول
(ولا يقابل بعضها) أي بعض خصال الكفاءة (ببعض) من تلك الخصال فلا تزوج حرة عجمية برقيق عربي ولا حرة فاسقة بعبد عفيف. قال المتولي: وليس من الحرف الدنيئة خبازة. ولو اطرد عرف بلد بتفضيل بعض الحرف الدنيئة التي نصوا عليها لم يعتبر، ويعتبر عرف بلدها فيما لم ينصوا عليه. وليس للاب تزويج ابنه الصغير أمة لانه مأمون العنت
(ويزوجها بغير كف ء ولي) بنسب وولاء (لا قاض برضا كل) منها ومن وليها أو أوليائها المستوين الكاملين لزوال المانع برضاهم، أما القاضي فلا يصح له تزويجها لغير كف ء وإن رضيت به على المعتمد إن كان لها ولي غائب أو مفقود لانه كالنائب عنه فلا يترك الحظ له. وبحث جمع متأخرون أنها لو لم تجد كفؤا وخافت الفتنة لزم القاضي إجابتها للضرورة. قال شيخنا وهو متحه. مدركا، أما من ليس لها ولي أصلا فتزويجها القاضي لغير كف ء بطلبها التزويج منه صحيح على المختار - خلافا للشيخين
{ فرع }
لو زوجت من غير كف ء بالاجبار أو بالاذن المطلق عند التقييد بكف ء أو بغيره لم يصح التزويج لعدم رضاها به، فإن أذنت في تزويجها بمن ظنته كفؤا فبان خلافه صح النكاح ولا خيار لها لتقصيرها بترك البحث نعم، لها خيار إن بان معيبا أو رقيقا وهي حرة
{ تتمة }
يجوز للزوج كل تمتع منها بما سوى حلقة دبرها ولو بمص بظرها أو استمناء بيدها، لا بيده، وإن خاف الزنا، خلافا لاحمد، ولا افتضاض بأصبع. ويسن ملاعبة الزوجة إيناسا، وأن لا يخليها عن الجماع كل أربع ليال مرة بلا عذر، وأن يتحرى بالجماع وقت السحر، وأن يمهل لتنزل إذا تقدم إنزاله، وأن يجامعها عند القدوم من سفره، وأن يتطيبا للغشيان، وأن يقول كل، ولو مع اليأس من الولد، بسم الله اللهم جنبنا الشيطان. وجنب الشيطان ما رزقتنا. وأن يناما في فراش واحد والتقوي له بأدوية مباحة بقصد صالح: كعفة ونسل وسيلة لمحبوب فليكن محبوبا فيما يظهر. قاله شيخنا: ويحرم عليها منعه من استمتاع جائز. ويكره لها أن تصف لزوجها أو غيره امرأة أخرى لغير حاجة. وله الوطئ في زمن يعلم دخول وقت المكتوبة فيه وخروجه قبل وجود الماء وأنها لا تغتسل عقبه وتفوت الصلاة
{ فصل في نكاح الامة }
(حرم لحر) ولو عقيما أو آيسا من الولد (نكاح أمة) لغيره ولو مبعضة (إلا) بثلاثة شروط: أحدها (بعجز عمن تصلح لتمتع) ولو أمة أو رجعية لانها في حكم الزوجية ما لم تنقض عدتها بدليل التوارث بأن لا يكون تحته شئ من ذلك ولا قادرا على نكاح حرة لعدمها أو فقره أو التسري بعدم وجود أمة في ملكه أو ثمن لشرائها. ولو وجد من يقرض أو يهب مالا أو جارية لم يلزمه القبول، بل يحل مع ذلك نكاح الامة لا لمن له ولد موسر. أما إذا كان تحته صغيرة لا تحتمل الوطئ أو هرمة أو مجنونة أو مجذومة أو برصاء أو رتقاء أو قرناء فتحل الامة. وكذا إن كان تحته زانية على ما أفتى به غير واحدة. ولو قدر على غائبة في مكان قريب لم يشق قصدها وأمكن انتقالها لبلده لم تحل الامة، أما لو كان تحته غائبة في مكان بعيد عن بلده ولحقه مشقة ظاهرة بأن ينسب متحملها في طلب الزوجة إلى مجاوزة الحد في قصدها أو يخاف الزنا مدة قصدها فهي كالعدم كالتي لا يمكن انتقالها إلى وطئة لمشقة الغربة له. (و) ثانيها (بخوفه زنا) بغلبة شهوة وضعف تقواه فتحل - للآية - فإن ضعفت شهوته وله تقوى أو مروءة أو حياء يستقبح معه الزنا أو قويت شهوته وتقواه لم تحل له الامة لانه لا يخاف الزنا. ولو خاف الزنا من أمة بعينها لقوة ميله إليها لم تحل له - كما صرحوا به - والشرط الثالث: أن تكون الامة مسلمة يمكن وطوها فلا تحل له الامة الكتابية. وعند أبي حنيفة رضي الله عنه يجوز للحر نكاح أمة غيره إن لم يكن تحته حرة
{ فروع }
لو نكح الحر الامة بشروطه ثم أيسر أو نكح الحرة لم ينفسخ نكاح الامة. وولد الامة من نكاح أو غيره كزنا أو شبهة بأن نكحها وهو موسر قن لمالكها. ولو غر واحد بحرية أمة وتزوجها فأولادها الحاصلون منه أحرار ما لم يعلم برقها وإن كان عبدا ويلزمه قيمتهم يوم الولادة
(وحل لمسلم) حر (وطئ) أمته (الكتابية) لا الوثنية والمجوسية
{ تتمة }
لا يضمن سيد بإذنه في نكاح عبده مهرا ولا مؤنة وإن شرط في إذنه ضمان، بل يكونان في كسبه وفي مال تجارة أذن له فيها. ثم إن لم يكن مكتسبا ولا مأذونا فهما في ذمته فقط كزائد على مقدر له ومهر وجب بوطئ في نكاح فاسد لم يأذن فيه سيده ولا يثبت مهر أصلا بتزويج أمته لعبده وإن سماه، وقيل يجب ثم يسقط
{ فصل في الصداق }
وهو ما وجب بنكاح أو وطئ. وسمي بذلك لاشعاره بصدق رغبة باذله في النكاح الذي هو الاصل في إيجابه، ويقال له أيضا مهر. وقيل الصداق ما وجب بتسميته في العقد. والمهر ما وجب بغير ذلك (سن) ولو في تزويج أمته بعبده ذكر صداق في عقد) وكونه من فضة، للاتباع فيهما، وعدم زيادة على خمسمائة درهم أصدقة بناته صلي الله عليه وسلم أو نقصان عن عشرة دراهم خالصة: وكره إخلاوه عن ذكره. وقد يجب لعارض: كأن كانت المرأة غير جائزة التصرف
(وما صح) كونه (ثمنا صح) كونه (صداقا) وإن قل لصحة كونه عوضا فإن عقد بما لا يتمول، كنواة وحصاة وقمع باذنجان وترك حد قذف، فسدت التسمية لخروجه عن العوضية
(ولها) كولي ناقصة بصغر أو جنون وسيد أمة (حبس نفسها لتقبض غير مؤجل) من المهر المعين أو الحال سواء كان بعضه أم كله، أما لو كان مؤجلا فلا حبس لها وإن حل قبل تسليمها نفسها له، ويسقط حق الحبس بوطئه إياها طائعة كاملة فلغيرها الحبس بعد الكمال إلا أن يسلمها الولي بمصلحة، وتمهل وجوبا النحو تنظف بالطلب منها أو من وليها ما يراه قاض من ثلاثة أيام فأقل، لا لانقطاع حيض ونفاس. نعم، لو خشيت أنه يطؤها سلمت نفسها وعليها الامتناع، فإن علمت أن امتناعها لا يفيد واقتضت القرائن بالقطع بأنه يطوها لم يبعد أن لها، بل عليها، الامتناع حينئذ، على ما قاله شيخنا
(ولو أنكح) الولي (صغيرة) أو مجنونة (أو رشيدة بكرا بلا إذن بدون مهر مثل أو عينت له قدرا فنقص عنه) أو أطلقت الاذن ولم تتعرض لمهر فنقص عن مهر مثل. (صح) النكاح على الاصح (بمهر مثل) لفساد المسمى كما إذا قبل النكاح لطفله بفوق مهر مثل من ماله. ولو ذكروا مهرا سرا وأكثر منه جهرا لزمه ما عقد به اعتبارا بالعقد. وإذا عقد سرا بألف ثم أعيد جهرا بألفين تجملا لزم ألف
(وفي وطئ نكاح) أو شراء (فاسد) كما في وطئ شبهة يجب (مهر مثل) لاستيفائه منفعة البضع، ولا يتعدد بتعدد الوطئ إن اتحدت الشبهة
(ويتقرر كله) أي كل الصداق (بموت) لاحدهما، ولو قبل الوطئ، لاجماع الصحابة على ذلك (أو وطئ) أي بغيبة الحشفة وإن بقيت البكارة
(ويسقط) أي كله (بفراق) وقع منها (قبله) أي قبل وطئ (كفسخها) بعيبه أو بإعساره وكردتها أو بسببها كفسخه بعيبها
(ويتشطر) المهر: أي يجب نصفه فقط (بطلاق) ولو باختيارها: كأن فوض الطلاق إليها فطلقت نفسها أو علقه بفعلها ففعلت أو فورقت بالخلع وبإنفساخ نكاح بردته وحده (قبله) أي الوطئ
(وصدق نافي وطئ) من الزوجين بيمينه لان الاصل عدمه إلا إذا نكحها بشرط البكارة ثم قال وجدتها ثيبا ولم أطأها فقالت بل زالت بوطئك فتصدق بيمينها لدفع الفسخ، ويصدق هو لتشطيره إن طلق قبل وطئ
(وإذا اختلفا) أي الزوجان (في قدره) أي المهر المسمى وكان ما يدعيه الزوج أقل (أو) في (صفته) من نحو جنس كدنانير وحلول وقدر أجل وصحة وضدها. (ولا بينة) لاحدهما أو تعارضت بيناتهما (تحالفا) كما في البيع، (ثم) بعد التحالف (يفسخ المسمى ويجب مهر المثل) وإن زاد على ما ادعته الزوجة وهو ما يرغب به عادة في مثلها نسبا وصفة من نساء عصباتها، فتقدم أخت لابوين فلاب فبنت أخ فعمة كذلك فإن جهل مهرهن فيعتبر مهر رحم لها كجدة وخالة. قال الماوردي والروياني: تقدم الام فالاخت للام فالجدات فالخالة فبنت الاخت، أي للام، فبنت الخالة. ولو اجتمع أم أب وأم أم فالذي يتجه استواوهما، فإن تعذرت اعتبر بمثلها في الشبه من الاجنبيات. ويعتبر مع ذلك ما يختلف به غرض كسن ويسار وبكارة وجمال وفصاحة، فإن اختصت عنهن بفضل أو نقص زيد عليه أو نقص منه لائق بالحال بحسب ما يراه قاض. ولو سامحت واحدة لم يجب موافقتها
(وليس لولي عفو عن مهر) لموليته كسائر ديونها وحقوقها. ووجدت من خط العلامة الطنبداوي أن الحيلة في براءة الزوج عن المهر حيث كانت المرأة صغيرة أو مجنونة أو سفيهة أن يقول الولي مثلا طلق موليتي على خمسمائة درهم مثلا علي فيطلق ثم يقول الزوج أحلت عليك موليتك بالصداق الذي لها علي فيقول الولي قبلت فيبرأ الزوج حينئذ من الصداق اه. ويصح التبرع بالمهر من مكلفة بلفظ الابراء والعفو والاسقاط والاحلال والتحليل والاباحة والهبة وإن لم يحصل قبول
{ مهمات }
لو خطب امرأة ثم أرسل أو دفع بلا لفظ إليها مالا قبل العقد: أي ولم يقصد التبرع ثم وقع الاعراض منها أو منه رجع بما وصلها منه، كما صرح به جمع محققون، ولو أعطاها مالا فقالت هدية وقال صداقا صدق بيمينه وإن كان من غير جنسه، ولو دفع لمخطوبته وقال جعلته من الصداق الذي سيجب بالعقد أو من الكسوة التي ستجب بالعقد والتمكين وقالت بل هي هدية فالذي يتجه تصديقها، إذ لا قرينة هنا على صدقه في قصده، ولو طلق في مسألتنا بعد العقد لم يرجع بشئ، كما رجحه الاذرعي، خلافا للبغوي، لانه إنما أعطى لاجل العقد وقد وجد
{ تتمة }
تجب عليه لزوجة موطوءة ولو أمة متعة بفراق بغير سببها وبغير موت أحدهما وهي ما يتراضى الزوجان عليه وقيل أقل مال يجوز جعله صداقا. ويسن أن لا ينقص عن ثلاثين درهما، فإن تنازعا قدرها القاضي بقدر حالهما من يساره وإعساره ونسبها وصفتها
{ خاتمة }
الوليمة لعرس سنة مؤكدة للزوج الرشيد وولي غيره من مال نفسه ولا حد لاقلها، لكن الافضل للقادر شاة. ووقتها الافضل بعد الدخول، للاتباع، وقبله بعد العقد يحصل بها أصل السنة. والمتجه استمرار طلبها بعد الدخول وإن طال الزمن كالعقيقة أو طلقها وهي ليلا أولى. وتجب على غير معذور بأعذار الجمعة وقاض الاجابة إلى وليمة عرس عملت بعد عقد، لا قبله، إن دعاه مسلم إليها بنفسه أو نائبة الثقة، وكذا مميز لم يعهد منه كذب وعم بالدعاء الموصوفين يوصف قصده كجيرانه وعشيرته أو أصدقائه أو أهل حرفته فلو كثر نحو عشيرته أو عجز عن الاستيعاب لفقره لم يشترط عموم الدعوة على الاوجه، بل الشرط أن لا يظهر منه قصد تخصيص لغني أو غيره وأن يعين المدعو بعينه أو وصفه فلا يكفي من أراد فليحضر أو ادع من شئت أو لقيت، بل لا تسن الاجابة حينئذ. وأن لا يترتب على إجابته خلوة محرمة فالمرأة تجيبها المرأة إن أذن زوجها أو سيدها لا الرجل إلا إن كان هناك مانع خلوة محرمة كمحرم لها أو له أو امرأة. أما مع الخلوة فلا يجيبها مطلقا، وكذا مع عدمها إن كان الطعام خاصا به: كأن جلست ببيت وبعثت له الطعام إلى بيت آخر من دارها خوف الفتنة. بخلاف إذا لم تخف، فقد كان شعبان وأضرابه رابعة العدوية ويسمعون كلامها: فإن وجد رجل كسفيان وامرأة كرابعة لم تحرم الاجابة، بل لا تكره. وأن لا يدعي لنحو خوف منه أو طمع في جاهه أو لاعانته على باطل ولا إلى شبهة بأن لا يعلم حرام في ماله. أما إذا كان فيه شبهة بأن علم اختلاطه أو طعام الوليمة بحرام، وإن قل، فلا تجب إجابة، بل تكره إن كان أكثر ماله حراما، فإن علم أن عين الطعام حرام حرمت الاجابة وإن لم يرد الاكل منه، كما استظهره شيخنا، ولا إلى محل فيه منكر لا يزول بحضوره. ومن المنكر ستر جدار بحرير وفرش مغصوبة أو مسروقة ووجود من يضحك الحاضرين بالفحش والكذب، فإن كان حرمت الاجابة، ومنه صورة حيوان مشتملة على ما لا يمكن بقاؤه بدونه وإن لم يكن لها نظير كفرس بأجنحة وطير بوجه إنسان على سقف أو جدار أو ستر علق لزينة أو ثياب ملبوسة أو وسادة منصوبة لانها تشبه الاصنام فلا تجب الاجابة في شئ من الصور المذكورة بل تحرم، ولا أثر بحمل النقد الذي عليه صورة كاملة لانه للحاجة ولانها ممتهنة بالمعاملة بها. ويجوز حضور محل فيه صورة تمتهن كالصور ببساط يداس ومخدة ينام أو يتكأ عليها وطبق وخوان وقصعة وإبريق، وكذا إن قطع رأسها لزوال ما به الحياة
ويحرم - ولو على نحو أرض - تصوير حيوان وإن لم يكن له نظير. نعم: يجوز تصوير لعب البنات لان عائشة رضي الله عنه كانت تلعب بها عنده صلي الله عليه وسلم ، كما في مسلم. وحكمته تدريبهن أمر التربية. ولا يحرم أيضا تصوير حيوان بلا رأس، خلافا للمتولي، ويحل صوغ حلي ونسج حرير لانه يحل للنساء. نعم: صنعته لمن لا يحل له استعماله حرام. ولو دعاه اثنان أجاب أسبقهما دعوة فإن دعواه معا أجاب الاقرب رحما فدارا ثم بالقرعة. وتسن إجابة سائر الولائم كما عمل للختان والولادة وسلامة المرأة الطلق وقدوم المسافر وختم القرآن، وهي مستحبة في كلها
{ فروع }
يندب الاكل في صوم نفل ولو مؤكدا لارضاء ذي الطعام بأن شق عليه إمساكه ولو آخر النهار للامر بالفطر ويثاب على ما مضى وقضى ندبا يوما مكانه، فإن لم يشق عليه إمساكه لم يندب الافطار، بل الامساك أولى. قال الغزالي: يندب أن ينوي بفطره إدخال السرور عليه
ويجوز للضيف أن يأكل مما قدم له بلا لفظ من المضيف. نعم. إن انتظر غيره لم يجز قبل حضوره إلا بلفظ منه
وصرح الشيخان بكراهة الاكل فوق الشبع وآخرون بحرمته. وورد بسند ضعيف زجر النبي صلي الله عليه وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الاكل. قال مالك: هو نوع من الاتكاء، فالسنة للاكل أن يجلس جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه، أو ينصب رجله اليمنى ويجلس على اليسرى. ويكره الاكل متكئا، وهو المعتمد، على وطاء تحته ومضطجعا إلا فيما يتنقل به لا قائما والشرب قائما خلاف الاولى
ويسن للآكل أن يغسل اليدين والفم قبل الاكل وبعده ويقرأ سورتي الاخلاص وقريش بعده ولا يبتلع ما يخرج من أسنانه بالخلال بل يرميه، بخلاف ما يجمعه بلسانه من بينها فإنه يبتلعه. ويحرم أن يكبر اللقم مسرعا حتى يستوفي أكثر الطعام ويحرم غيره
ولو دخل على آكلين فأذنوا له لم يجز له الاكل معهم إلا إن ظن أنه عن طيب نفس، لا لنحو حياء
ولا يجوز للضيف أن يطعم سائلا أو هرة إلا إن علم رضا الداعي
ويكره للداعي تخصيص بعض الضيفان بطعام نفيس
ويحرم للاراذل أكل ما قدم للاماثل
ولو تناول ضيف إناء طعام فانكسر منه ضمنه، كما بحثه الزركشي، لانه في يده في حكم العارية
ويجوز للانسان أخذ من نحو طعام صديقه مع ظن رضا مالكه بذلك، ويختلف بقدر المأخوذ وجنسه وبحال المضيف. ومع ذلك ينبغي له مراعاة نصفة أصحابه فلا يأخذ إلا ما يخصه أو يرضون به عن طيب نفس لا عن حياء. وكذا يقال في قران نحو تمرتين أما عند الشك في الرضا فيحرم الاخذ كالتطفل ما لم يعم: كأن فتح الباب ليدخل من شاء
ولزم مالك طعام إطعام مضطر قدر سد رمقه إن كان معصوما مسلما أو ذميا وإن احتاجه مالكه مآلا، وكذا بهيمة الغير المحترمة، بخلاف حربي ومرتد وزان محصن وتارك صلاة وكلب عقور
فإن منع فله أخذه قهرا بعوض إن حضر، وإلا فنسيئة. ولو أطعمه ولم يذكر عوضا فلا عوض له لتقصيره
ولو اختلفا في ذكر العوض صدق المالك بيمينه
ويجوز نثر نحو سكر وتنبل وتركه أولى. ويحل التقاطه للعلم برضا مالكه. ويكره أخذه لانه دناءة
ويحرم أخذ فرخ طير عشش بملك الغير وسمك دخل مع الماء في حوضه
{ فصل في القسم والنشوز }
(يجب قسم لزوجات) إن بات عند بعضهن بقرعة أو غيرها فيلزمه قسم لمن بقي منهن ولو قام بهن عذر كمرض وحيض. وتسن التسوية بينهن في سائر أنواع الاستمتاع، ولا يوءاخذ بميل القلب إلى بعضهن، وأن لا يعطلهن بأن يبيت عندهن، ولا قسم بين إماء ولا إماء وزوجة. ويجب على الزوجين أن يتعاشرا بالمعروف، بأن يمتنع كل عما يكره صاحبه ويؤدي إليه حقه مع الرضا وطلاقة الوجه من غير أن يحوجه إلى مؤنة وكلفة في ذلك (غير) معتدة عن وطئ شبهة لتحريم الخلوة بها وصغيرة لا تطيق الوطئ، و (ناشزة) أي خارجة عن طاعته بأن تخرج بغير إذنه من منزله، أو تمنعه من التمتع بها، أو تغلق الباب في وجهه، ولو مجنونة، وغير مسافرة وحدها لحاجتها ولو بإذنه فلا قسم لهن كما لا نفقة لهن
{ فرع }
قال الاذرعي نقلا عن تجزئة الروياني: ولو ظهر زناها حل له منع قسمها وحقوقها لتفتدي منه. نص عليه في الام. وهو أصح القولين. انتهى. قال شيخنا: وهو ظاهر إن أراد أنه يحل له ذلك باطنا معاقبة له لتلطيخ فراشه، أما في الظاهر فدعواه عليها ذلك غير مقبولة، بل ولو ثبت زناها لا يجوز للقاضي أن يمكنه من ذلك فيما يظهر. (وله) أي للزوج (دخول في ليل) لواحدة (على) زوجة (أخرى لضرورة) لا لغيرها كمرضها المخوف، ولو ظنا، (وله) دخول (في نهار لحاجة) كوضع متاع أو أخذه وعيادة وتسليم نفقة وتعرف خبر (بلا إطالة) في مكث عرفا على قدر الحاجة، وإن أطال فوق الحاجة عصى لجوره وقضى وجوبا لذات النوبة بقدر ما مكث من نوبة المدخول عليها. هذا ما في المهذب وغيره. وقضية كلام المنهاج والروضة وأصليهما خلافه فيما إذا دخل في النهار لحاجة وإن طال فلا تجب تسوية في الاقامة في غير الاصل كأن كان نهارا، أي في قدرها، لانه وقت التردد وهو يقل ويكثر عند حل الدخول، يجوز له أن يتمتع. ويحرم الجماع، لا لذاته، بل لامر خارج ولا يلزمه قضاء الوطئ لتعلقه بالنشاط بل يقضي زمنه إن طال عرفا
واعلم
أن أقل القسم ليلة لكل واحدة وهي من الغروب إلى الفجر (وأكثره ثلاث) فلا يجوز أكثر منها وإن تفرقن في البلاد إلا برضاهن. وعليه يحمل قول الام: يقسم مشاهرة ومسانهة. والاصل فيه لمن عمله نهارا الليل والنهار قبله أو بعده وهو أولى تبع. ولحرة ليلتان ولامة سلمت له ليلا ونهارا ليلة. ويبدأ وجوبا في القسم بقرعة
(ولجديدة) نكحها وفي عصمته زوجة فأكثر (بكر سبع) من الايام يقيمها عندها متوالية وجوبا (و) لجديدة (ثيب ثلاث) ولاء بلا قضاء ولو أمة فيهما لقوله صلي الله عليه وسلم: سبع للبكر وثلاث للثيب ويسن تخيير الثيب بين ثلاث بلا قضاء وسبع بقضاء: للاتباع
{ تنبيه }
يجب عند الشيخين، وإن أطال الاذرعي: كالزركشي في رده، أن يتخلف ليالي مدة الزفاف عن نحو الخروج للجماعة وتشييع الجنائز، وأن يسوي ليالي القسم بينهن في الخروج لذلك أو عدمه، فيأثم بتخصيص ليلة واحدة بالخروج لذلك
(و) وعظ زوجته ندبا لاجل خوف وقوع نشوز منها كالاعراض والعبوس بعد الاقبال وطلاقة الوجه والكلام الخشن بعد لينه و (هجر) إن شاء (مضجعا)، مع وعظها لا في الكلام، بل يكره فيه، ويحرم الهجر به ولو لغير الزوجة فوق ثلاثة أيام: للخبر الصحيح. نعم إن قصد به ردها عن المعصية وإصلاح دينها جاز (وضربها) جوازا ضربا غير مبرح ولا مدم على غير وجه ومقتل إن أفاد الضرب في ظنه ولو بسوط وعصا. لكن نقل الروياني تعيينه بيده أو بمنديل (بنشوز) أي بسببه وإن لم يتكرر، خلافا للمحرر، ويسقط بذلك القسم. ومنه امتناعهن إذا دعاهن إلى بيته ولو لاشتغالها بحاجتها لمخالفتها. نعم، إن عذرت لنحو مرض أو كانت ذات قدر وخفر لم تعتد البروز لم تلزمها إجابته، وعليه أن يقسم لها في بيتها. ويجوز له أن يؤدبها على شتمها له
{ تتمة }
يعصى بطلاق من لم تستوف حقها بعد حضور وقته وإن كان الطلاق رجعيا. قال ابن الرفعة: ما لم يكن بسؤالها
{ فصل في الخلع }
بضم الخاء من الخلع بفتحها وهو النزع لان كلا من الزوجين لباس للآخر كما في الآية، وأصله مكروه. وقد يستحب كالطلاق ويزيد هذا بندبه لمن حلف بالطلاق الثلاث على شئ لا بد له من فعله قال شيخنا: وفيه نظر لكثرة القائلين بعود الصفة. فالاوجه أنه مباح لذلك، لا مندوب، وفي شرحي المنهاج والارشاد له: لو منعها نحو نفقة لتختلع منه بمال ففعلت بطل الخلع ووقع رجعيا - كما نقله جمع متقدمون عن الشيخ أبي حامد - أولا بقصد ذلك وقع بائنا. وعليه يحمل ما نقله الشيخان عنه أنه يصح ويأثم بفعله في الحالين وإن تحقق زناها، لكن لا يكره الخلع حينئذ
(الخلع) شرعا (فرقة بعوض) كميته مقصود من زوجة أو غيرها راجع (لزوج) أو سيدة (بلفظ طلاق أو خلع) أو مفاداة ولو كان الخلع في رجعية لانها كالزوجة في كثير من الاحكام
(فلو جرى) الخلع (بلا) ذكر (عوض) معها (بنية التماس قبول) منها: كأن قال خالعتك أو فاديتك ونوى التماس قبولها فقبلت (فمهر مثل) يجب عليها لاطراد العرف بجريان ذلك بعوض، فإن جرى مع أجنبي طلقت مجانا، كما لو كان معه والعوض فاسد. ولو أطلق فقال خالعتك ولم ينو التماس قبولها وقع رجعيا وإن قبلت
(وإذا بدأ) الزوج (ب) - صيغة (معاوضة: كطلقتك) أو خالعتك (بألف فمعاوضة) لاخذه عوضا في مقابلة البضع المستحق له وبها شوب تعليق لتوقف وقوع الطلاق بها على القبول (فله رجوع قبل قبولها) لان هذا شأن المعاوضات
(وشرط قبولها فورا) أي في مجلس التواجب بلفظ كقبلت أو ضمنت أو يفعل كإعطائها الالف على ما قاله جمع محققون فلو تحلل بين لفظه وقبولها زمن أو كلام طويل لم ينفذ. ولو قال طلقتك ثلاثا بألف فقبلت واحدة بألف فتقع الثلاث وتجب الالف. فإذا بدأت الزوجة بطلب طلاق كطلقني بألف أو إن طلقتني فلك علي كذا فأجابها الزوج فمعاوضة من جانبها فلها رجوع قبل جوابه لان ذلك حكم المعاوضة. ويشترط الطلاق بعد سؤالها فورا فإن لم يطلقها فورا كان تطليقه لها ابتداء للطلاق. قال الشيخ زكريا: لو ادعى أنه جواب وكان جاهلا معذورا صدق بيمينه
(أو بدأ ب) - صيغة (تعليق) في إثبات (كمتى) أو أي حين (أعطيتني كذا فأنت طالق فتعليق) لاقتضاء الصيغة له (فلا) طلاق إلا بعد تحقق الصفة ولا (رجوع) له عنه قبل الصفة كسائر التعليقات
(ولا يشترط) فيه (قبول) لفظا (ولا إعطاء فورا) بل يكفي الاعطاء ولو بعد أن تفرقا عن المجلس لدلالته على استغراق كل الازمنة منه صريحا، وإنما وجب الفور في قولها متى طلقتني فلك كذا لان الغالب على جانبها المعاوضة فإن لم يطلقها فورا حمل على الابتداء لقدرته عليه أما إذا كان التعليق في النفي كمتى لم تعطني ألفا فأنت طالق فللفور فتطلق بمضي زمن يمكن فيه الاعطاء فلم تعطه
(وشرط فور) أي الاعطاء في مجلس التواجب بأن لا يتخلل كلام أو سكوت طويل عرفا من حرة حاضرة أو غائبة علمته (في إن) أو إذا (أعطيتني) كذا فأنت طالق لانه مقتضى اللفظ مع العوض وخولف في نحو متى لصراحتها في جواز التأخير لكن لا رجوع له عنه قبله. ولا يشترط القبول لفظا
{ تنبيه }
الابراء فيما ذكر كالاعطاء ففي إن أبرأتني لا بد من إبرائها فورا براءة صحيحة عقب علمها وإلا لم يقع. وإفتاء بعضهم بأنه يقع في الغائبة مطلقا لانه لم يخاطبها بالعوض بعيد مخالف لكلامهم. ولو قال إن أبرأتني فأنت وكيل في طلاقها فأبرأته برئ ثم الوكيل مخير، فإن طلق وقع رجعيا لان الابراء وقع في مقابلة التوكيل
ومن علق طلاق زوجته بإبرائها إياه من صداقها لم يقع عليه. إلا إن وجدت براءة صحيحة من جميعه فيقع بائنا بأن تكون رشيدة وكل منهما يعلم قدره ولم تتعلق به زكاة خلافا لما أطال به الريمي أنه لا فرق بين تعلقها به وعدمه وإن نقله عن المحققين وذلك لان الابراء لا يصح من قدرها وقد علق بالابراء من جميعه فلم توجد الصفة المعلق عليها وقيل يقع بائنا بمهر المثل
ولو أبرأته ثم ادعت الجهل بقدره. فإن زوجت صغيرة صدقت بيمينها أو بالغة ودل الحال على جهلها به لكونها مجبرة لم تستأذن فكذلك وإلا صدق بيمينه
ولو قال إن أبرأتني من مهرك فأنت طالق بعد شهر فأبرأته، برئ مطلقا. ثم إن عاش إلى مضي الشهر طلقت وإلا فلا
وفي الانوار
في أبرأتك من مهري بشرط أن تطلقني فطلق وقع ولا يبرأ، لكن الذي في الكافي وأقره البلقيني وغيره في أبرأتك من صداقي بشرط الطلاق أو على أن تطلقني تبين ويبرأ، بخلاف إن طلقت ضرتي فأنت برئ من صداقي فطلق الضرة وقع الطلاق ولا براءة. قال شيخنا: والمتجه ما في الانوار لان الشرط المذكور متضمن للتعليق
{ فروع }
لو قال إن أبرأتني من صداقك أطلقك فأبرأت فطلق برئ وطلقت ولم تكن مخالعة ولو قالت طلقني وأنت برئ من مهري فطلقها بانت به لانها صيغة التزام، أو قالت إن طلقتني فقد أبرأتك أو فأنت برئ من صداقي فطلقها بانت بمهر المثل، على المعتمد، لفساد العوض بتعليق الابراء
وأفتى أبو زرعة
فيمن سأل زوج بنته قبل الوطئ أن يطلقها على جميع صداقها والتزم به والدها فطلقها واحتال من نفسه على نفسه لها وهي محجورته بأنه خلع على نظير صداقها في ذمة الاب. نعم، شرط صحة هذه الحوالة أن يحيله الزوج به لبنته. إذ لا بد فيها من إيجاب وقبول ومع ذلك لا تصح إلا في نصف ذلك لسقوط نصف صداقها عليه ببينونتها منه فيبقى للزوج على الاب نصفه لانه لما سأله بنظير الجميع فذمته فاستحقه والمستحق على الزوج النصف لا غير فطريقه أن يسأله الخلع بنظير النصف الباقي لمحجورته لبراءته حينئذ بالحوالة عن جميع دين الزوج. اه. قال شيخنا: وسيعلم مما يأتي أن الضمان يلزمه به مهر المثل، فالالتزام المذكور مثله وإن لم توجد الحوالة
ولو اختلع الاب أو غيره بصداقها أو قال طلقها وأنت برئ منه وقع رجعيا، ولا يبرأ من شئ منه. نعم، إن ضمن له الاب أو الاجنبي الدرك أو قال علي ضمان ذلك وقع بائنا بمهر المثل على الاب أو الاجنبي
ولو قال لاجنبي سل فلانا أن يطلق زوجته بألف، اشترط في لزوم الالف أن يقول علي. بخلاف سل زوجتي أن يطلقني على كذا فإنه توكيل وإن لم تقل علي. ولو قال طلق زوجتك على أن أطلق زوجتي ففعلا، بانتا، لانه خلع غير فاسد: لان العوض فيه مقصود، خلافا لبعضهم، فلكل على الآخر مهر مثل زوجته
{ تنبيه }
الفرقة بلفظ الخلع طلاق ينقص العدد. وفي قول نص عليه في القديم والجديد الفرقة بلفظ الخلع إذا لم يقصد به طلاقا فسخ لا ينقص عددا، فيجوز تجديد النكاح بعد تكرره من غير حصر، واختاره كثيرون من أصحابنا المتقدمين والمتأخرين، بل تكرر من البلقيني الافتاء به. أما الفرقة بلفظ الطلاق بعوض فطلاق ينقص قطعا، كما لو قصد بلفظ الخلع الطلاق، لكن نقل الامام عن المحققين القطع بأنه لا يصير طلاقا بالنية
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
Tidak ada postingan.
Pabilamana sahabat ada masalah yang pelik tentang keagamaan umumnya tentang ibadah keseharian dunyawi dan ukhrawi, silahkan berbagi solusi di sini untuk mengirimkan tulisannya di kotak komentar, atau menghubungi Pesantren Virtual إن شاء الله akan ada jalan keluarnya. Terima kasih telah bertandang di Masail Diniyah-3 semoga tali silaturahim ini berjalan hingga tiada akhir.